لسنا بحاجة لاستهلاك مزيد من الحبر لسرد وقائع ومشاهد لمنظماتٍ إرهابية كداعش، وما يماثلها أو يسير على نهجها، دفعت إلى قلب الواقع الإسلامي والعربي في سوريا والعراق، وهددت بالتمدد في كل المحيط العربي والإسلامي، بل إن خطرها أصبح يشعر به الغرب مثلما الشرق.. لسنا بحاجة لتكرار الحديث حيال المشاهد الدموية والعنف الإجرامي الذي أمعنت فيه المنظمة الإرهابية داعش وتوّجت أعمالها الدنيئة بمشاهد الجلد.. واللعب بالسيوف لقطع الرؤوس والصلب، إلى أن وصل بهم الأمر إلى نحر جوهر الدين عندما سارعوا بمبايعة من يُسمى البغدادي على أن يكون خليفة للمسلمين، وهو أبعد ما يكون عن الإسلام.. بل إن الإسلام أنزه من أن يفرز أمثال هؤلاء الحفنة التي تؤمن بمنطلقات وأفكار إجرامية بدعاوى إعادة الخلافة الإسلامية..
لسنا بحاجة إلى تكرار ذلك فقد أشبعه الكتّاب والمحللون نصوصاً وتحليلاً مثلما تشبعت العيون والأذهان والنفوس البشرية بمشاهد العنف وقسوة التوحش الداعشي وغيرها من منظمات إرهابية على أرض الشام والعراق.
داعش هذا التنظيم الإرهابي الأكثر وحشية مقارنة بغيره من التنظيمات الإرهابية والذي أعلن دولته المزعومة القائمة على فكر ظلامي إرهابي وتوحدت كل دول العالم على محاربته واجتثاث جذوره.. نجح من خلال فرض وجوده إعلامياً واستطاع أن يخترق عولمة الأمن، هذه العولمة التي حوّلت معاني الجغرافيا والزمن وقزّمت السيادة وجعلت الحدود عائمة، بل لا أبالِغ إن ذكرت بأنها أضعفت كثيراً مقدرة بعض الدول داخلياً فانعدم الأمن فيها.. ولم يعد هناك انسجام مجتمعي، مما خلق سيلاً من الاضطرابات والعنف الطائفي، وبات مواطن تلك الدول مرعوباً خائفاً قاصراً عن حماية نفسه وأهله.
المتابع للمسار التاريخي الذي نشأت وتكونت فيه العولمة بكل أبعادها المختلفة، يكتشف مدى التداعيات السلبية التي أفرزتها ليس فقط على الفكر والثقافة أو التربية والتعليم والنسيج المجتمعي.. وإن كان الاقتصاد وتطوره من الأولويات التي أذنت للعالم بالاتجاه صوب العولمة لكن ما صاحب العولمة من انفجار معلوماتي وثورة تقنية مكّنها من اختراق أسرار الدول.. وأسهمت في تمكين المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش من استقطاب الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي هذا من جانب.. أما من جانب آخر فإن الإطار الأمني في ظل العولمة لم يعد مقتصراً على الحدود الإقليمية للدولة الواحدة بل تخطى ذلك.. فلم يعد للحدود والحواجز وجود بين الدول مما ساعد وسهل بشكل مباشر وغير مباشر في سيطرة المنظمات الإرهابية وبخاصة داعش على مناطق شاسعة من أراضي سوريا والعراق.. ناهيك عن التهديد المستمر للأمن الداخلي للدول المجاورة.. ومهما كانت تهديدات تنظيم داعش للدول التي يستقطب منها أتباعه والأفراد الموالين له.. إلا أن توجهاته تهدف إلى استقطاب تنظيمات إرهابية أخرى تؤمن بمبادئه واعتقاداته وأساليبه الإجرامية، وبالتالي ليس بمقدورها الوصول إلى العراق وسوريا لتنضم إليه.. فإن تحقق لهذه المنظمة الإرهابية ما ترنو إليه فإن ذلك سيُشكّل بلا ريب خطراً على أمن وسلام واستقرار دول خرج منها عددٌ كبير من أتباع المنظمة الإرهابية داعش وانضموا إليها.
داعش منظمة إرهابية تتخذ من الدين مطية لتمرير أفكارها المتطرفة وتبرير ما تقترفه من جرائم وجزٍ للرؤوس وانتهاكات لا يرضى بها دين ولا يقبلها عقل.. منظمة توظّف الدين لتحقيق أهدافها ساعدها في ذلك ظاهرة العولمة التي جعلت من الكون قرية صغيرة.. فهل يتمكن التحالف الدولي بقيادة أمريكا أن ينهي تنظيم داعش الإرهابي ليصبح فصلاً من فصول التاريخ.