يتعرض مئات الملايين من أطفال العالم إلى أشكال متعددة من العنف يومياً، ومن المحزن أن من يقوم بتعنيفهم وإيذائهم في معظم الأحيان هم آباؤهم وأمهاتهم وأفراد عائلاتهم والأشخاص المحيطون بهم.. ويمضي هذا الإيذاء المأساوي بصمت وبعيداً عن رقابة القانون، بل إن بعض الدول لا تُوجد فيها قوانين واضحة وصريحة لمعاقبة من يرتكب أعمال العنف والإيذاء بحق الأطفال.
يوم الاثنين الماضي اتخذ مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية قراراً مهماً للغاية حين وافق على نظام حماية الطفل، وهو النظام الذي يحمي من الإيذاء كل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر.. ويغطي هذا النظام جوانب كثيرة من ممارسات العنف والإيذاء التي تتم بحق الطفل مثل التسبب في حرمانه من التعليم أو التحرش به أو الحط من كرامته بالقول أو الفعل أو التمييز ضده بسبب انتمائه الاجتماعي أو العرقي أو تعريضه للمواد والمشاهد الإباحية، وغير ذلك من الممارسات المسيئة للطفل.
صدور هذا النظام خطوة مهمة للغاية، لكنها بداية الطريق للقضاء على العنف والإيذاء الموجَّه للأطفال، وما زال أمامنا مسافة طويلة لكي نحد من الممارسات الإيذائية، فضلاً عن القضاء عليها تماماً.
سوف تصدر لائحة تنظيمية توضح كيفية تطبيق هذا النظام المهم.. وسوف تكون فاعلية النظام مرتبطة إلى حد كبير باللائحة التنظيمية، ولذلك فإن كل ما نتمناه في هذه المرحلة هو أن تكون اللائحة على درجة كبيرة من الوضوح ومن اليُسر في جوانبها التطبيقية.
وعلى سبيل المثال، سوف يكون من الصعوبة اكتشاف حالات التعنيف لأنها تتم أحياناً خلف جدران مغلقة، وأحياناً تتم بحق أطفال صغار جداً لا يستطيعون التعبير عن المعاناة التي يتعرضون لها، وأحياناً يصعب التفريق بين ما هو إيذاء وما هو تربية حازمة.
هناك مناطق رمادية كثيرة سيكون على اللائحة التنظيمية التعامل معها، لكننا لسنا أول بلد تصدر فيه مثل هذه الأنظمة واللوائح، وعلينا أن نستفيد من التجارب الناجحة في العالم.
إن معاناة الأطفال مع التعذيب والإيذاء لا يمكن القضاء عليها تماماً، لكن صدور نظام في بلادنا للتعامل معها هو خطوة حضارية، وسوف نستفيد من أخطائنا ومما نتعلمه من الميدان أثناء التطبيق.. لكن المهم أننا بدأنا، والأهم أن تكون هناك إرادة حقيقية للاهتمام بحقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق الطفل، وهو الطرف الأضعف في منظومة الأسرة والمجتمع.