بعضٌ من الشعر الذي يكون المسيطر فيه العقل فقط، كما كان يفعل بعض النظَّامين من القدماء لحفظ نظرية أو قاعدة علمية، ربما ساعد على حفظها لما يتمتع به من وزن هو شعر بلا حرارة وينقصه الكثير ليكون حياً حقيقياً تستطيع أن تطلق عليه صفة الإبداع.
ومن وجهة نظر متواضعة أرى أن الشعر كلما ابتعد عن حدود العقل، اقترب من أهم عناصره وهو الخيال، وقد كنت في حوار مع الأديب الشاعر الأستاذ فهد الفايز، وروى لي أن ابنه عبد العزيز قال له إن البيت القائل:
النوم من عقب التعب به لذاذة
والشرب من عقب الضما ينعش الروح
لا جديد فيه ولا إبداع وإن الأستاذ فهد لم يعجبه رأي ابنه حيث جانبَ الصواب فقلت له: أنت وابنك كلاكما على حق، فالبيت برأيه نقل حقيقة يدركها الكثير ولم يبتكر الشاعر فيه شيئاً يُسجل له كإبداع جديد مستقل، أما أنت فقد أعجبك تحويل الحقيقة وصياغتها بقالب شعري عذب.
وحتى أكون منصفاً، فليس كل شطحة فكرية أو شعورية هي بالضرورة إبداعاً، فقد تكون لوثة عابرة أو عبثاً ساذجاً لا يعدو كونه تلاعباً بالمفردات فقط، مما يجعل بعض من يقدّرون الشعر يستبعدون أن يكون كُتب من باب العبث، فيحسنون الظن بكاتبه ويذهبون إلى ما يعطي مثل هذا العبث صفة الشعر الرمزي، ويذهبون بتفسيره إلى ما لا يحتمل.