انخفاض أسعار النفط إلى ما يقرب من 30 % عنها قبل سنة تقريباً، لا شك أن له انعكاسات سلبية على كثير من الدول المنتجة للبترول، إلا أنه سيكون له نتائج عميقة التأثير على إيران بشكل حاد أكثر من الآخرين.
إيران - كما هو معروف - تعيش حصاراً اقتصادياً جعل قدرتها على الإنتاج والتسويق وبالتالي الدخل متدنية. وهي الآن تعيش فيما يشبه الاستنزاف الاقتصادي بسبب استمرار تمويلها الحرب في سوريا. إضافة إلى أن نفوذها يبدو أنه يتضعضع في العراق مؤخراً: ويحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى بذل المزيد من الأموال للفئات المناصرة والداعمة لها للإبقاء على نفوذها هناك، خاصة بعدما أبدى المرجع العراقي الشيعي الأول والأكثر نفوذاً وتأثيراً «آية الله السيستاني» مواقف سياسية مناهضة لإيران ضمنياً، وتدعو إلى التقارب مع دول الجوار العربية، خاصة دول الخليج العربي، والتنسيق معها، والتماهي مع مصالح العراق العربية الأقليمية، وهذا مؤشر يعني عند التطبيق النأي بالعراق عن إيران، وعن سياساتها التي كان يمثلها رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي»، وكانت كما يتفق أغلب العراقيين، بجميع فئاتهم، سبباً رئيساً لما وصل إليه العراق من مآس في كافة المستويات وأهمها الاجتياح المهين لعصابات (داعش) لأغلب الجغرافيا العراقية..
ولا يبدو أن ثمة أمل في أن العقوبات الاقتصادية على إيران سترفع قريباً، فخلافاتها مع الدول الغربية - ( 5 +1) - بشأن ملفها النووي كما تقول التقارير، تمر بتعقيدات وعقبات لا توحي أن هذه العقوبات سترفع قريباً؛ ما يجعل انخفاض أسعار البترول، وتدهورها أكثر، يُضعف تلقائياً وبشكل حاد التدفقات النقدية على الخزينة الإيرانية؛ في زمن هي أكثر ما تكون فيه احتياجا إلى القدرات النقدية، لحماية سياساتها التوسعية، وتمويل نشاطاتها الخارجية، خاصة في سوريا ولبنان.
ومن يقرأ التاريخ المعاصر يجد أن المغامرات السياسية غير المحسوبة جيداً هي التي أسقطت كثير اً من الدول، وجعلتها كما يقولون أثراً بعد عين.
حرب أفغانستان - مثلا ً واستنزافاتها الاقتصادية للاتحاد السوفييتي، كانت عامـلاً رئيساً، أدى فيما بعد إلى تفكك الاتحــاد الســــوفييتي، ونهايـــة تلك الإمبراطورية العظمى؛ وإيران في وضعها الحالي تمر على ما يبدو بنفس التجربة؛ فمن يقرأ إيران من الداخل قراءة موضوعية، يجد أنها تتجه اتجاهاً متهوراً إلى التصنيع الحربي والصرف عليه بسخاء، إضافة إلى تدهور أسعار صرف العملة الإيرانية، ناهيك عن الصرف على مغامراتها الخارجية، ما اضطرها إلى أن تُغفل التنمية الاقتصادية الداخلية، ومعالجة مشاكل شعب متعدد الإثنيات، بدأ يتململ، وهو يعيش في أوضاع معيشية مزرية، وثرواته يبددها الملالي هنا وهناك، وإذا كانت هراوات الحرس الثوري و (الباسيج) الغليظة، قد استطاعت أن تسحق الثورة الخضراء عام 2009، فلا يعني أنها تستطيع أن تسحقها كل مرة؛ فالتدهور الاقتصادي هو في عصرنا الحاضر بمثابة (الشرارة) التي تشعل الثورات، وإذا ثارت الشعوب فإما إسقاط النظام أو الحرب الأهلية. ولو أن القمع بمفرده يفيد الأنظمة المستبدة، لفاد «بشار الأسد» في إخماد ثورة شعبه.
إيران في ظل الحصار الاقتصادي واستنزاف الحرب السورية وحزب الله لما تبقى من النقد الإيراني، وكذلك تقلص نفوذها في العراق، ثم جاء الآن تدهور أسعار النفط فجعلها تمر بأزمة اقتصادية حقيقية تزيد ضغوطاتها مع مرور الوقت وتدهور الأسعار أكثر.. وكل الإرهاصات تؤكد أن هذا التدهور ستكون انعكاساته وخيمة على إيران من الداخل؛ فإذا كان الجنرال (ثلج) هو من هزم هتلر في روسيا حين لم يحسب حسابه في الحرب العالمية الثانية، فإن الجنرال (نفط) الذي لم يحسب حسابه الإيرانيون، هو هذه المرة من سيهزم ذوي العمائم السوداء والبيضاء وهراوات الباسيج، وينهي طموحاتهم في البقاء.
إيران وهي تختنق ويزيد اختناقها مع الزمن، ستدخل مرحلة شبيهه بمرحلة الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره قريباً كما تقول المعطيات الموضوعية التي أمامنا.
إلى اللقاء