قبل ثلاثة أسابيع أرسلتُ لمعالي وزير التجارة مقالاً بعنوان (تاجر مهاجر)، يتحدث عن صعوبة تأسيس وإدارة العمل التجاري في السعودية، ومقارنته بدبي، بناء على تجربتي الشخصية. رد الوزير كعادته على كل من يتواصل معه: «أشكرك أخوي خالد، وبإذن الله سنجعلها أفضل من دبي». في ساعتها، ورغم أني أعلم بأن الوزير يحاول أن يصنع المستحيل، إلا أني أحسست بأن وعده غير منطقي، ليس لأننا غير قادرين، ولكن لأن دبي تثبت في كل مرة أنها الأفضل في كل ما يخص خدمة العملاء، سواء تاجراً أو مواطناً.
انتهت ثلاثة أسابيع على وعد الوزير، وإذا به يفاجئنا بإعلان إمكانية استخراج السجل التجاري في 180 ثانية، وهذا ليس تفوقاً على دبي كما وعد، لكنه تفوق على مستوى العالم؛ إذ إن أقصر مده لاستخراج سجل هي سنغافورة في 1.25 ساعة. ليس هذا فحسب، بل حتى الترخيص الصناعي المبدئي يصدر في أقل من دقيقتين.
«أبشر» ووزارة التجارة و»سداد» ونظام وزارة الخارجية غيرت من حياتنا للأفضل، وسهلت علينا الحياة. اليوم تستطيع وأنت في منزلك أو مكتبك، وبدون السير عشرات الكيلومترات، أن تستخرج جواز سفر، وتصدر تأشيرة خروج وعودة، أو خطاب دعوة، وتحول أموالاً، وتسدد فواتير.. كلها وأنت في منزلك أو مكتبك. وهذا غير أنه رفاهية للمواطن إلا أنه حفاظ على البيئة، وأخف للزحام، وأقل استهلاكاً للوقود.. إلى غيرها من المزايا.
الحقيقة، لا يستطيع الواحد أن يخفي فرحته بهذه الإنجازات التي أعطتنا أملاً بأننا قادرون على أن نصبح أفضل من غيرنا، ولكن بالرغم من هذه الفرحة إلا أنه ما زال هناك جانب مظلم للمعادلة، ولا تكتمل المعادلة إلا به، ألا وهو الجهات الأخرى التي لم تستطع أن تواكب التطور رغم ما مُنحت من دعم وميزانيات.
ومثال على هذا الجانب المظلم، الذي سيضر بالاقتصاد لا محالة: ما فائدة أن تستخرج سجلاً تجارياً في 180 ثانية وترخيصاً صناعياً مبدئياً في أقل من دقيقتين، وأن تحصل على مصنع جاهز من «مدن» خلال أيام، ومن ثم تُفاجأ بأنك يستحيل أن تحصل على ما تحتاج من عمالة لتشغيل مصنعك أو منشأتك التجارية؟ ليس هذا فقط، بل تحتاج لمراجعة وزارة العمل خمس مرات أو أكثر، والانتظار إلى ستة أشهر أو أكثر، وكذلك مراجعة البلدية مرات عدة، ومن ثم الدفاع المدني؛ لتحصل على التراخيص كافة!
اليد الواحدة لا تصفق، وإذا أردنا منافسة الدول المتقدمة؛ ليستفيد المواطن والبلد، فيجب أن تتكامل الجهود بين الجهات المعنية، وأن يكون التطور بالوتيرة نفسها.
بيئة الأعمال والاستثمار منظومة متكاملة؛ لا يمكن أن نفصل التجارة فيها عن وزارة العمل، أو عن البلديات.. لذا، ورغم سعادتنا بإنجاز وزارة التجارة ووزارة الداخلية، وغيرهما، إلا أننا لا نخفي خيبة أملنا في وزارة العمل والبلديات وغيرهما مِمَّن لم يلحق بالركب.