على غير المعتاد، وبشكل غير مألوف، قاطعت جماهير الكرة السعودية منتخب بلادها، وهي تغيب عن مدرجات استاد مدينة الملك فهد الرياضية في مبارياته التي لعبها مستضيفاً بطولة (عائلية) مهمة ومحببة لها ولكل مجتمع الرياضة في منطقة الخليج، وكان ذلك موضع استغراب وتعجب وتندر وحديث الحضور في بطولة خليجي 22 التي تختتم اليوم.
في ختام البطولة سيكون الأخضر السعودي حاضراً، بعد أن فرض نفسه بقوة وبجدارة واستحقاق طرفاً أول فيها، رغم أنه بدا في المباريات الثلاث التي أداها في دور المجموعات ومباراة نصف النهائي فريقاً (غريباً) على أرضه، ولم يكن بين جماهيره!
المقاطعة التي حدثت في المباريات الأربع كانت تعني بالنسبة لي احتجاجاً (مؤدباً) من الجماهير السعودية و(عقوبة مغلظة) على أمور كثيرة تتعلق بالمنتخب والكرة والرياضة المحلية عموماً، وكانت رسالة (بليغة)، أرسلت بأدب (مغلفة بورق السلوفان)، ووصلت بتفاصيلها كاملة إلى المسؤولين في الرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحاد كرة القدم، وعليهم الوقوف عندها طويلاً، واستيعابها، ودراستها، ومعرفة مضامينها، ومن ثم العمل على تلافيها ومعالجتها للقضاء عليها مستقبلاً، قبل أن تكبر الأسباب، وتتوالى المقاطعة والعقوبة، وحتى لا تتجاوز المنتخب ومبارياته لتضرب مفاصل أخرى في الكرة والرياضة السعودية.
من المؤكد أن المقاطعة لها أسبابها، غير أن إرجاعها إلى (التعصب) للأندية وحده أمر غير دقيق، وغير سليم - من وجهة نظري - وقد لا يقود إلى وضع الأصبع على مكامن الداء بالكامل؛ وبالتالي العلاج الحقيقي الصحيح والشامل، لتجنب حدوثه مستقبلاً للمنتخب الذي سيخوض حتماً على أرضه قادماً استحقاقات أخرى أقوى وأكثر أهمية في بطولات دولية، ستُقام بطريقة الذهاب والإياب، ويعد الحضور الجماهيري فيها أحد أقوى أسلحتها.
إن حصر المشكلة في الجماهير وحدها هو أيضاً قصور وتجاهل للأسباب والمسببات التي يدخل ويشترك فيها بقوة اتحاد كرة القدم ولجانه المختلفة وقراراتها المتنوعة والمؤثرة، وهو ما يبدو أن بعض اللجان ورؤساءها وأعضاءها لا يعرفونه، ولا يعتبرونه، ولا حتى يقدرونه. والمثال هنا حاضر، ويمكن الاستشهاد به بسهولة من خلال لجنة المسابقات التي أجرت (أثناء البطولة) تعديلاً على جدول ومواعيد بعض مباريات الدوري والكأس، وأعلنته بطريقة افتقرت للحكمة، وامتزجت بالاستفزاز في الأسلوب وتوقيت الإعلان.
رسالة الجمهور السعودي التي رفعها (من غير كلام)، والمقاطعة التي عاقب بها منتخبه (من غير قرار)، ستنتهي، أو يجب أن تنتهي اليوم بعد أن بلغ المنتخب النهائي، وتحدى لاعبوه اللعب بعيداً عن جماهيرهم، وما سببه ذلك لهم من إحباط وضغوط أضيفت إلى ما يعانون منه أصلاً قبل البطولة، من انزعاج وعدم اقتناع وانقسام، ولم يكترثوا لكل ذلك، وتغلبوا عليه وعلى أنفسهم ومنافسيهم؛ ليبلغوا النهائي في طريقهم - بإذن الله - لحصد اللقب، وتحقيق الكأس، وتقديم (فرحة عارمة) لوطنهم وجماهيرهم، لكنها ستكون بالتأكيد فرحة ناقصة وبائسة، وبلا طعم ولا (مزاجية)..
يا جمهور الأخضر، وصلت (أكيد) الرسالة؛ فعودوا إلى عملكم ودوركم.. عودوا لتكونوا الرقم الصعب واللاعب الأول في تشكيلة الأخضر ومهرجان ختام البطولة.
كلام مشفر
· رسالة الجمهور السعودي التي يجب استيعابها والتفاعل معها ومعالجة أسبابها يجب أن تتم فوراً بعد الانتهاء من البطولة بقرارات جريئة في منظومة الرياضة، وتغييرات فعالة في اتحاد كرة القدم، تطيح برؤوس معروفة ومرفوضة؛ حتى لا يستفحل الأمر.
· عدم التفاعل بالشكل المطلوب مع الرسالة قد يحول وجهتها إلى المباريات الداخلية في البطولات المحلية، وإذا كنا لم نتصور يوماً أن يقاطع الجمهور السعودي منتخب بلاده فعلينا أن نخشى ونتوقع أن يقاطع يوماً ما الدوري المحلي، وهو (المنتج) الفاخر للكرة السعودية، الذي يجب الحفاظ عليه، وذلك مسؤولية اتحاد الكرة.
· الواضح أن هناك أجهزة رياضية خارج منظومة ولجان اتحاد كرة القدم، وأعلى منها، لم تستحضر هي الأخرى أسباب أو مؤثرات المقاطعة والعقوبة؛ والدليل (العقوبات الإدارية) التي صدرت بحق ثلاث شخصيات إدارية رياضية، وافتقرت ـ على الأقل ـ للحكمة بسبب الجمع بينها في قرار واحد، وأيضاً في توقيت الإعلان عنها(!!).
·لم تجر بطولة الخليج في السنوات الأخيرة في أجواء رياضية وأسرية على النحو الذي كانت عليه (خليجي 22)، التي لم يعكر صفوها بعض تصريحات الاستفزاز والخروج القليلة التي تعامل معها المعنيون بحنكة وحكمة.
· البطولة لم تكن فقط منافسات كرة القدم، وإنما كانت بالفعل (مهرجاناً اجتماعياً)، حفل بالعديد من المشاركات والفعاليات التي غطت جوانبها المختلفة، وتسابقت جهات مختلفة محلية وشقيقة نحو إقامة وتقديم برامجها والاستفادة من الزخم الإعلامي الكبير المصاحب والمغطي للبطولة والفعاليات المصاحبة لها.
· ولعل من أجمل وأقوى الفعاليات المصاحبة الكشف عن ملعب استاد خليفة الجديد، وهو الاستاد الرئيس لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها الدوحة، الذي أظهر أن اللجنة المنظمة لها لم تترك شيئاً للمصادفة.