عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (يحفظه الله) خلال شهر ديسمبر 2011م، دعوته الصادقة وكشف عن رؤيته الثاقبة بتحقيق حلم شعوب منطقة الخليج العربي في الوحدة الخليجية وبلورتها على أرض الواقع، بالتحول الفعلي من مرحلة التعاون القائم بين دول المجلس إلى ضرورة الاتحاد، ما يعزز وحدة المصير،
ويحقق المصلحة والأهداف المشتركة، بما يخدم استقرار الدول، وتنميتها الحضارية، ورفاهية شعوبها. لقيت تلك الدعوة ارتياحاً عاما على المستويين الشعبي والرسمي، خاصةً أن المنطقة العربية تمر بأخطر مرحلة في تاريخها المعاصر. ذلك الارتياح خالطه بعض الأصوات غير المؤيدة لفكرة الاتحاد، أو بعض التصورات غير المتفائلة، التي قللت من فاعليته، بحجة أن التعاون لم ينجح بالشكل المرضي لشعوب دول المجلس الخليجي حتى الآن، رغم أن هذا المجلس استطاع التماسك خلال مسيرته، التي تتجاوز الثلاثة عقود وهو يواجه تحديات كبيرة، ومنعطفات خطيرة، كان أبرزها في المشهد العالمي، قضية تحرير الكويت العام 1991م، والتعامل مع تداعيات غزو العراق العام 2003م، وسرعة الاستجابة لمشكلة البحرين 2011م، ما يعني أنه نموذج الوحدة العربية الباقية، القابل للتطور والاتساع إلى وحدة أشمل وأقوى.
بل إن الأزمة الخليجية التي حدثت بين دول المجلس الأربعة، السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى قبل عام، ثم الإنجاز التاريخي الذي تحقق على يد خادم الحرمين الشريفين باتفاق الرياض التكميلي، في القمة التشاورية الاستثنائية لدول مجلس التعاون، التي عقدت بالرياض، مساء يوم الأحد 23 المحرم 1436هـ الموافق 16 نوفمبر 2014م، أكدت مدى الحاجة الملحة (للاتحاد) الخليجي. وأن تلك الأصوات غير المؤيدة أو تلك التصورات غير المتفائلة كانت لا تعي واقع العالم العربي، ولا تدرك قيمة الاتحاد في عالم اليوم، وبالذات منطقة الخليج العربي؛ وما يهددها من أخطار محتملة، وما تواجهه من تحديات بمشاريع الاستحواذ والهيمنة من صفوية وصهيونية وأميركية وغيرها.
لذلك يمكن القول إن الفرصة التاريخية لاتحاد دول الخليج تبدو حاضرة وبقوة، خاصةً بعد أن شعر الجميع بالقلق وراوده الخوف من تداعيات ذلك الخلاف الخليجي، لولا اتفاق الرياض التكميلي الذي حسمه على الوجه الذي أسعد شعوب الخليج، ومن محاسن الصدف أن الذي أنهى ذلك الخلاف باتفاق يوحد الصف ويعزز التوافق وينبذ الخلافات هو نفسه صاحب الدعوة للاتحاد، وهو خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله)، وكأنه يعطي درساً سياسياً واضحاً ومجانياً لكل ساسة المنطقة والمسؤولين المهتمين باستقرارها، بأن الاتحاد هو مطلب شعوبكم لوحدة مصيركم. فهل يستوعب أصحاب القرار اللحظة الحرجة لمنطقتنا ويشرعوا فعلياً في تجسيد الاتحاد بين دول المجلس؟ يغلب ظني أن كل مواطن خليجي يتطلع لهذا الطموح.