في حلقات النقاش، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وفي أطروحاتنا الإعلامية، القليل منا يحرص على استيعاب الموضوع، أو لقضية، أو حتى التنظيمات والتقارير من جميع جوانبها، لإشباع الموضوع، وبسطه أمام القارئ الباحث عن الحقيقة، وليس هذا بغريب لأن نصيب القراءة من وقتنا قليل، ونعتمد على السماع أكثر من غيرها، وللإشاعة كذلك أثرها الكبير على المتلقي، وبالتالي فإن منهجية التثبت غير واردة في تفكير الكاتب أحيانا أمام مزاحمة الوقت .
* لأسباب عديدة قد نلتمس العذر لكاتب يعيش في (مارثون) يومي مع قرائه، إلا أننا لا نبرر ذلك لمن ينتسب لجهة رسمية مهمتها الأساسية الفحص الدقيق لكل ما يرد إليها من تقارير، تتطلب دراستها المزيد من الوعي، والعلم، والمعرفة.
* استوقفني من تلك المناقشات في الأيام الماضية قضيتان أثيرتا على المستوى المحلي. الأولى: عن دور (نزاهة) في حماية (المال العام) والذي أوكل إليها بالتنسيق مع جهات أخرى المحافظة عليه، وهو بلا شك من أهم المهام والاختصاصات، وأولى الأولويات، وجودة العمل فيه مؤثر على خطط التنمية في بلدنا، مؤثر كذلك في الرأي العام الذي أصبح يراقب موارد ومصادر ثروته عن كثب، وأصبح عضوا فاعلا ومؤثرا حتى في تقييم أداء المؤسسات والهيئات.
* يذهب الكثير من الكتاب، أو المهتمين بهذا الشأن أيّا كان موقعهم أن الأرقام التي قدرت ما تم إعادته خلال عام من (المال العام) بأي طريقة كان ذلك الاسترداد لا تعكس جهود الجهات الرقابية، ولا ما تتمتع به من مهام واختصاصات واسعة، ودعم من القيادة غير محدود، واستقلالية تامة في كافة شؤونها.
* من المؤكد أنه لا أحد ينفي تهمة القصور، أو نقص المعلومات في تقارير أي جهة، ولا عن أهمية ترتيب الأولويات، ومن الممكن أن (نزاهة) لم تتوسع في تقدير ما يمكن أن يحسب تحت مفهوم (المال العام)، وتقدير النقدي والعيني منه، سواء كان ذلك للمشاريع الحكومية التي تمت متابعتها، واستدركت على بعض الجهات جوانب القصور في جودتها، وسير العمل فيها، أو تلك الأراضي المملوكة للدولة وتم الاعتداء عليها، فنسقت مع الجهات ذات الاختصاص على ضرورة معالجتها وفق الأنظمة والتعليمات، أو متابعة الهدر المالي، الناجم عن الإهمال، والتسيب الوظيفي الذي ربما يكون سببا في القصور في تقديم الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، كل ذلك ربما أنه لم يحول كلغة أرقام تقريبية مباشرة في تقرير (نزاهة) لكن ذلك لا يعفي مستقرىء التقرير من الاستنتاجات، حتى يستطيع الطرح بشكل واقعي ومقنع.
* الثاني من تلك المفاهيم التي ربما التبست على البعض، وإن لم يكن ذا أهمية مقارنة بوسائل (حفظ المال العام) هو ما يتصل بالنقد لمضامين الحملات والرسائل التوعوية وما يقال عن سيطرة الوعظ الديني في لغة (مواقع التواصل الاجتماعي للهيئة )أو غير ذلك من البرامج والوسائل الأخرى، ولو كلف أي كاتب نفسه، واطلع بتأن وروية على تلك التغريدات ومضامينها، وحللها إحصائيا وبشكل دقيق، أو اطلع على البرامج المرئية لتشكل في ذهنه ووعيه تصورا آخر يخالف ما طرحه، معتمدا على النقل والسماع، فقيم الأمانة، والعدل، والمساواة، والمواطنة، وإشاعة الشفافية إنما هي قيم اجتماعية مشتركة، لا ترتبط بأي اتجاه، والقائمون على البرامج في (نزاهة) يعون أن (الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد) حينما عدت الإسلام عقيدة وشريعة، ومنهج حياة، ووضعت في إحدى وسائلها أهمية تنمية الوازع الديني لدى الجمهور، أقول أن الهيئة تدرك أن تلك مسؤولية أنيطت بالدرجة الأولى على المؤسسات الدينية والتربوية، والعلماء والدعاة، لكن هذا لا يعني أن الهيئة لم تسهم مع تلك الجهات بنشر نتاجها، وتقديمه للجمهور في أي مكان كان موقعه.