يعتبر اعلان قمة دول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في الرياض في 16 نوفمبر 2014 بمثاية هدية تاريخية في مرحلة تاريخية حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط وتعاني من ويلاتها وأزماتها المتكررة، لقد تضمن الإعلان إنهاء الخلاف القائم مع دولة قطر وعودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة.
بعد التمام العقد الخليجي واصطفافه وعودة المياه إلى مجاريها، بدأ يراودنا الحلم الخليجي في إمكانية طرح مشروع الاتحاد الخليجي والذي كان قد طرح في السابق وواجه تردداً من قبل بعض الدول الأعضاء في المجلس، ولم يكتب له النجاح في حينه ولكن الأزمة العربية الحالية تستدعي البدء في احيائه من سباته وشحذ الهمم لإنجاحه، حيث تظهر الأزمة الحالية حجم الاختلالات في التوازنات الإقليمية في المنطقة والتي تسود فيها الهيمنة العسكرية النووية الإيرانية والإسرائيلية في مقابل ضعف جميع دول المنطقة التي أنهكتها الحروب وعصف بها عدم الاستقرار منذ بداية الصراع العربي الاسرائيلي وانتهاءً بتغلغل المارد الإيراني في نسيجها الاجتماعي والأمني، ووضوح بصمات ذلك المارد في تكوين معظم التنظيمات العسكرية العقائدية المشبوهة اللاعبة على الساحة الشرق أوسطية الآن، والتي تمثل فيها داعش دور البطولة وباتت تقرع الأبواب الخليجية وتهدد أمنها واستقرارها.
إن الحلم الخليجي المأمول يستلزم بناء قوة عسكرية خليجية موحدة على المدى البعيد، قادرة على خلق توازن إقليمي استراتيجي للدول العربية دور فيه، ومن أجل بناء قوة عسكرية كهذه يستدعي البدء في انشاء قوة اقتصادية خليجية موحدة تساهم في ذلك التوازن الإقليمي (الاسرائيلي-الإيراني-العربي) من خلال بناء قوة نووية سلمية لحماية قومية اقتصادية أمنية خليجية عربية، والقوة المؤهلة في المنطقة للقيام بهذا الدور في الوقت الحالي هي «دول الخليج»، ولا يخفى على أحد أهمية التكتلات الاقتصادية في المجتمع الدولي.
تشترك في الغالب معظم الدول الخليجية في اعتمادها على النفط كسلعة ناضبة وكمورد وحيد للدخل، وقد استعملت تلك السلعة كسلاح سياسي لتحقيق أهداف سياسية وما زالت تستخدم إلى الآن، وما الانخفاض الحالي في أسعار النفط إلا مؤشر على ذلك، حيث التقلبات السعرية التي تؤثر بشكل مباشر على برامج التنمية في الدول المنتجة وبالتالي على استقرارها.
ان هذه المطية التي تستخدم في الحروب والأزمات لا يمكن الاعتماد عليها في ضمان الأمن القومي على المدى البعيد ناهيك عن نضوبها الأكيد.
تواجه الدول الخليجية نمواً سكانياً عالياً، بالإضافة إلى التسارع في النمو الاقتصادي مما يستدعي البدء في إنشاء برنامج امتلاك طاقة نووية سلمية خليجية توفر طاقة رخيصة ونظيفة على المدى البعيد لا تنضب ومحايدة في زمن الحروب تساهم في توليد الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه في دول تفتقر لوجود مصادر للمياه العذبة اللازمة للتوسع السكاني والزراعي والصناعي.
هناك اعتراضات على إنشاء برنامج نووي سلمي نتيجة ارتفاع تكلفة بناء المفاعلات النووية، ولكن الميزة الوقتية الحالية تستدعي الإسراع في إنشاء البرنامج حيث التدفقات المالية الخليجية ميسرة، والتي ستعمل على تيسير المهمة، والتي يجب أن تستغل قبل نضوب النفط وانتشار مصادر الطاقة البديلة، وستعمل تلك البرامج النووية السلمية على إحداث نقلة نوعية علمية تقنية في جميع المجالات، وسيساهم التكتل الخليجي في تسهيل المهمة في الأمد القصير من خلال الاستعانة بالخبرات الأجنبية ووجود قوة خليجية تنظيمية سياسية متعاونة، وللسعودية ميزة نسبية في امتلاكها الخبرة في مجال بناء المدن الصناعية مما سيساهم في التسريع في بناء المفاعلات النووية.
إن الفرصة مواتية الآن لتألق العقد الخليجي المنظوم، وسيخطف بإذن الله أبصار من يصطادون بالمياه العكرة وهم كثر.