لاتخاذ القرار النهائي السيادي والجماعي في الاتجاه الصحيح، نحن في حاجة لإستراتيجية موحدة نعبر بها إلى بر الأمان كمجموع متكامل متداعم.
منطقتنا الوادعة لم تكن في أي وقت بمنأى عن شرر ما يحدث عالمياً أو في الجوار القريب.. والشرر اليوم أصبح اشتعال لهب. هي فعلاً مرحلة التكتلات والتحالفات على كل الجبهات، بمنطلقات بناءة أو هدامة، إيجابية أو سلبية.
فرحنا بالاستقلال كدول سيادية وفرحنا بعضويتنا في منظمة الدول العربية وفي الأوبك والأوابك وفي مجلس التعاون الخليجي.. ولم يكن المسار دائماً واضحاً للسفينة الخليجية.. ولكنها ظلت سالمة تسبح في مياه الأحداث في الهدوء وفي العواصف.
أسعدتنا أخبار احتواء الخلاف بين دول مجلس التعاون والتوصل إلى أرضية تفاهم يحرك المجموعة من وضع التأزم، وقرار القادة إعادة السفراء إلى الدوحة. وأنا أهنئ نفسي وكل مواطني دول الخليج الواعين بهذا الحدث الذي كشف عنا تراكم غيوم الفرقة، ووطأة تهديد بتصدع لا حاجة لنا به يزعزع العلاقات، ويضاعف قلقلة الاستقرار والأمن. حدث إيجابي أكد التعقل الحكيم للقادة، ومهاراتهم في التحكم في مسار سفننا، وقدرتهم على حماية أسطولنا في مهب الأعاصير. وهي مرحلة مهمة لتوضيح إجابات للتساؤلات: ما هي التحديات التي تواجهها دول الخليج في أوضاع الساحة الراهنة؟ وما هي احتياجات العمل المشترك؟ والإستراتيجية الأفضل؟
* على الجبهة السكانية: في بعض دول الخليج هناك نقص في عدد السكان الأصليين ومشكلة البدون، ويعاني بعضها من مشكلة التسلل والإقامة غير المشروعة بالإضافة إلى عطالة وبطالة متصاعدة خاصة في أوساط المواطنين الشباب تحت سن الـ30 الذين يمثلون نسبة 70% من السكان أو أكثر. ومع تصاعد أعداد الخريجين من الجنسين يتوقع تزايد المشكلة ما يعني أن احتياجات الشباب يجب أن تجد حلولاً شمولية.
وتعاني دول الخليج تداعيات اعتمادها كلياً منذ طفرة السبعينات على استقدام العمالة الوافدة، ما أحدث خللاً في القيم والأعراف والتركيبة السكانية وقد يسبب إذا لم يعالج بصورة فعالة تصدعات ومطالبات فئوية، تهدد على المدى الطويل الاستقرار والأمن.
* وعلى الجبهة الثقافية تواجه المنطقة الخليجية ضرورة الاحتفاظ بالتوازن بين ثبات الجذور والأصالة ومتطلبات التنمية الحديثة والمستجدات المتسارعة على جوار ظل تقليدياً على مدى قرون طويلة. وضمن المحيط العربي الأوسع، تواجه بقايا التأثير الفكري للأعراف والقيم والممارسات الموروثة، خاصة التصنيفية المتسمة بالعنصرية والتمييز. بالإضافة تواجه النخر في القيم العامة بسبب تأثيرات مرحلة الطفرة المادية الثمانينات، مثل تنامي نزعات الاتكالية وضعف المبادرة الفردية، واعتياد بعض ما جلبته ملايين العمالة الأجنبية من ممارسات سلبية وحتى إجرامية. وكذلك تأثيرات الصحوة في التسعينات، ومنها تقبل عقلية السرب والببغائية، والانحراف إلى الغلو والإقصائية إلى حد التكفير والتأجيج المذهبي والعدائية. وضمن هذه المؤثرات الثقافية تأتي النظرة غير المتوازنة في التعامل مع المرأة فرغم أن للقيادات نظرة ريادية تسعى إلى تمكين المرأة بصفتها 50% من المواطنين والمؤهلين، ما زال بعض المجتمع يتلكأ في تقبل حضورها الكامل والمساهمة في العمل التنموي الاقتصادي المردود خارج إطار الدور التقليدي وهو الإنجاب وخدمة الأسرة. والغالب سيادة النظرة المتأثرة بتوزيع الأدوار من منظور ذكوري حتى في العلاقة بالقضاء وولاية الأمر وحرية الحركة واختيار المصير. وكذلك علاقة المجتمع بالفئة الشبابية سلبية رغم كونها الفئة الأكبر عدديا، وإقصاء فئة الشباب من التفاعل المجتمعي تعرضه للاستلاب الفكري.