الرمزية التي انطلق منها اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي حددته الأمم المتحدة في يوم 25 نوفمبر من كل عام، أتى من حكاية وقعت في جمهورية الدومينكان الواقعة في منطقة البحر الكاريبي، التي بدأت من قصة ثلاث أخوات اشتهرن باسم «الأخوات ميرابال»، اللاتي تحفل مواقع الإنترنت بكثير من التفاصيل عن حكايتهن لمن أراد الاستزادة. وحادثتهن هي ما جعلت الأمم المتحدة تخلّد هذا اليوم؛ إذ قام بقتلهنّ النظام السياسي بسبب توجهاتهن السياسية المعارضة لحكمه.
العنف ضد المرأة هو قضية عالمية، تختلف من منطقة لأخرى بحسب القوانين التي تردع هذه السلوكيّات. وهذا الكلام أقوله ردًّا على كثير من القراء الذين عادة يرفضون الحديث عن العنف ضد المرأة محليًّا أو عربيًّا، ويعتبرون مناقشة هذه القضية نوعًا من التجني؛ لذا يعمدون إلى تكرار جملة (العنف ضد المرأة موجود في كل العالم)، وهنا أؤيد هذه المقولة، إلا أن اختلافي الوحيد حول القوانين التي تناهضه من بلدٍ لآخر. فمثلاً لو أن رجلاً أمريكيًّا مُتعصّبًا، وأظهر أي سلوك فيه تمييز ضد امرأة، فإن لديها الحق في محاكمته، بينما لو ذهبت امرأة سعودية إلى مطعم وتم رفض دخولها؛ لأنها ليس معها محرم، فهي لا تملك الحق في محاكمة من قام بالتمييز ضدها بسبب أنها امرأة!
هذه الفكرة هي ما أحاول إيصالها منذ سنوات، فأنا - شخصيًّا - لا أنكر وجود عنف ضد المرأة في كل دول العالم، إنما حديثي عن وجود قوانين تردع هذه السلوكيات، وتمنع حدوثها. أضف إلى ذلك أن دول العالم الأول تُعلن بشكل مُنظم إحصائيات العنف ضد المرأة بشكل دقيق؛ لأنها تمتلك مراكز إحصائية وبحثية قادرة على مسح هذه الظاهرة، بغية الوصول إلى حلول ومحاصرة تفشيها، بينما نحن بكل صراحة ما زلنا ننشر (بعض) الأرقام بشكل ارتجالي، وبعض القضايا المتفرقة من هنا وهناك التي تظهر على سطح الإعلام، وقد يكون الخافي أعظم.
الدقة في إيجاد أرقام وإحصائيات من خلال مراكز متخصصة في هذه القضايا هي بداية معالجة القضية ومحاصرتها، وإيجاد قوانين تتناسب مع حجمها. أما أننا نتناول القضية بشكل ارتجالي فإن العلاج سيكون مؤقتاً أو فردياً لقضية معينة دون أخرى. أظن أن معالجة قضايا العنف ضد المرأة لا يمكن أن تحدث من خلال البت في قضية فلانة، أو إصدار حكم في قضية أخرى، إنما هي بحاجة إلى قانون موحد صادر عن بحوث مسحية واستقصائية، لا عن قضايا فردية منشورة في وسائل الإعلام!
بقي التأكيد أن هناك سلوكيات همجيّة تنتشر في المجتمع بحاجة إلى ترويض، وهناك أفكار جاهلية ما زالت قائمة؛ تحتاج إلى «فرمتة» وإعادة تشكيل؛ فليس من المروءة ولا القوة ولا الشجاعة أن يقوم شخص بمد يده على شخص هو يعرف أنه أضعف منه بدنيًّا؛ لأن المرأة خُلقت بهذه الطبيعة الجسديّة الجميلة التي لا تعني أنها ضعيفة؛ فالجسد ليس هو ما يحدد معيار العقل!