سأبدأ بما ذكره د. أحمد العيسي في كتابه الجميل (إصلاح التعليم في السعودية) والذي نشر في دار الساقي عام 2009 وفيه يقول (وهو للأسف لا يزال محقاً بالنسبة لتعليمنا حتى ونحن في نهاية 2014؟!).. يقول: (إنَّ نظام التعليم في المملكة العربية السعودية يصلح لتخريج كَتَبَة للمستوى الخامس في الوظيفة الحكومية، أمَّا من شبَّ عن الطوق وأصبح من قادة المستقبل؛
فهم استثناء وصلوا بطرق استثنائية، بجهد ذاتي، أو دعم اجتماعي، أو بتعليم حرٍّ في مكان ما من العالم؛ لكنَّهم -بالتأكيد- لم يكونوا ثمرة نظام تعليمي لا يزال يجبر التلميذ الصغير على حمل حقيبة ثقيلة على ظهره كلَّ صباح، ويعود بها بعد الظهر، ولم يتغيَّر شيء سوى وريقات هنا وهناك).
وسأضيف إلى ذلك إن هذا التعليم لا يزال يدرس الخرافة ويركز على الحفظ بل ويقدم الأجوبة جاهزة في ملازم تباع في المكتبات لكل أسئلة المواد المختلفة فلا يدرس الطلاب شيئاً ولا يحتاجون لذلك فكل ما تركز عليه المؤسسات هو الشهادة: الوثيقة التي تقول إنك انتقلت من مرحلة إلى أخرى لكن هل تعلمت فعلا أي شيء؟ لا أحد يدري عن ذلك.. لا الوزارة ولا المدرسة التي خرجت الطلاب سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة ولا العالمية، وبالطبع لا الأهل الذين يعتقدون جازمين أن لا دور لهم في تعليم أبنائهم فحجتهم أننا من ندفع نقود المدرسة أو نحن نشتري المريول والشنطة لكن من يتابع أبناءنا؟.. إذا كنا مقتدرين كلفنا أحد المدرسين العرب الذي يتنقل مثل النطيطة بين بيت وآخر بعد خروجه من مدرسته الأهلية مرهقاً وجائعاً ولم يحصل على نوم كاف وهو مع الطالب الوقت المطلوب لكن هل يتعلم أحد؟.. السائق أيضاً هو من يوصل الطالب ويحضره والشغالة هي من تعد حقيبته وتوصله للمدرسة وتعيده؟ أين الأهل والمدرسة؟ لا أحد يدري.. فالسعودية تحولت بفعل النفط إلى بيوت معزولة متخثرة وسمينة ومنغلقة على نفسها ولا تجد غير توتير والفيس بوك والانستغرام والجوال والسناب شت تقضي أيامها معه.
يقول الدكتور العيسي في كتابه الذهبي المذكور: (هدف التعليم العام هو تنمية عقول الطلبة وتزويدهم بالعلوم الأساسية (الطبيعية، والإنسانية) ومنع ومعاقبة كل من يعمل على بث الأفكار السياسية أو الدينية التي تتعارض مع الفكر الإنساني المحض).
نعم هذا هو ما يجب أن يكون هدف التعليم: إعداد الطالب ليكون مواطناً عالمياً يستطيع أن يتكيف مع ظروف القرن الواحد والعشرين ويعرف علومه ولغاته وأهم أفكاره العلمية والإنسانية حتى يعيش عصره. فماذا فعلت المدارس السعودية بأولادنا؟.
أتعرفون ما هو المحزن؟.. طلابنا (العاديون خريجو المدارس وليس أولئك الذين يدربون لشهور وسنوات لعبور الامتحانات العالمية كما تفعل بهم موهبة) هم في آخر القائمة في الامتحانات العالمية رياضياً وعلمياً ومنطقياً.. لماذا؟ لأن محتوي تعليمهم الفعلي لم يتجاوز مرحلة الكتبة المؤدلجين.
البحوث أيضاً أظهرت أن طلابنا لا يعرفون عن تاريخ العالم شيئاً فهم مثلاً لا يعرفون أنه كانت هناك حرب عالمية أولى ولا ثانية؟.. وبالطبع لا يعرفون صراعات العالم ولا تراثه ولا تاريخه.. كيف حدث ذلك في غفلة منا؟.. كيف تم تعليب تعليمنا وأدلجته بحيث انتفت مهمته كتعليم ليصبح أدلجة وتثبيت لفكر إخواني ظهرت اليوم نتائجه المرعبة على ما يشهده العالم العربي من تحولات مخيفة أثرت على كل العالم.
يقول د. العيسي وهو محق: (المشكلة في توسيع المنهج وتناوله لأمور فرعية يفترض أن تدرس لمن أراد التخصص في الدراسات الإسلامية (وليس لطلاب مدارس التعليم العام) حيث الملاحظ كما يقول: إن حصص المواد الدينية المفصلة (كما نعرفها من توحيد وفقه وحديث وقرآن وتجويد) تشغل ما يزيد على ثلث المجموع الكلي للحصص المقررة في الجدول الدراسية في حين يغيب العلوم والرياضيات والمنطق والمعرفة العلمية الحقيقية إلا بمقادير تافهة وبمعلمين غير مؤهلين يمضون وقت الحصة في توزيع قناعتهم الدينية بدل شرح المفهوم المعرفي أو الرياضي؛ ونستغرب كيف استجاب مراهقونا بسهولة للرعب الداعشي؟.
د. العيسي لم يتعرض إلى محتوي المواد الأخرى مثل القراءة والتاريخ والجغرافيا والتي هي في الحقيقة مجرد نصوص دينية من القرآن والسنة والتي يفترض أن تضم لقائمة للعلوم الدينية وبذا لم يتعلم الطلاب أية حقائق تاريخية أو جغرافية أو ثقافية أو اجتماعية.
طيب.. ماذا نفعل في مواجهة ذلك؟ ندعم المعرفة العلمية بكل ما نستطيع؟.. كيف؟ عن طريق زيادة حصتها في الجدول الدراسي، تنقية محتواها من الأدلجة وتدريب المعلمين (ليتعلموا) الحقائق العلمية التي سيدرسونها للطلبة قبل تعلميهم كيفية (نقل وتدريس) هذه الحقائق لطلابهم.
الاستعانة بالمؤسسات العلمية لتكون رفيقاً حقيقاً للمدارس في نشر المعرفة العلمية؟.. كيف؟ النموذج موجود، مثلاً في ناسا في الولايات المتحدة والمتخصصة في علوم الفضاء حيث توفر ناسا لطلاب المدارس في كافة أنحاء الولايات المتحدة بل وحتي في أوروبا برامج متخصصة عن الفضاء والمعرفة العلمية وبناء الروبوت وبرامج سنوية وصيفية بحيث ولدت اليوم أجيالاً كاملة هدفها هو الوصول للكواكب الأخرى وتفجير المعرفة العلمية.
انظر مثلاً: البرامج الصيفية لناسا والتي يمكن للجميع وحتى السياح الالتحاق بها:
http://robotics.nasa.gov/students/summer_camps.php
http://www.nasa.gov/offices/education/programs/descriptions/Students-rd.html#.VFmmi_mUdUU
http://www.nasa.gov/audience/foreducators/innovative-summer-camp.html
https://www.kennedyspacecenter.com/education/camp-ksc.aspx
من المرشح لذلك لدينا محلياً؟.. هل هي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية؟ نعم هذا كان يجب أن يكون الجواب لكن كيف تقوم به وهي الغارقة في أدلجتها حتي النخاع.. لهذا تواضعت نتائجها ودورها العلمي الذي وضعت من أجله ولم تكن شيئاً مذكوراً في حياة أبنائنا العلمية.. لمن نلجأ؟؛ أفيدونا».