يخطئ من يعتقد أن أمريكا تجاوزت عقدة العنصرية تماما، وإن كانت من أفضل بلاد العالم بهذا الخصوص، فالعنصرية متجذرة، خصوصا في الجنوب الأمريكي، والذي كان معقلا للرق لفترة زمنية طويلة، إذ حتى بعد إلغاء الرق، وإقرار قانون المساواة، بعد ذلك بمائة عام، لا تزال العنصرية تضرب أطنابها، ولا تزال الثقة مفقودة بين البيض والسود، ولم تشفع خمسة عقود من الزمن، منذ أن تم إقرار المساواة بين البيض والسود، ولا انتخاب كثير من السود للكونجرس بشقيه، ولحاكمية بعض الولايات، وعمودية كثير من المدن في أن تقشع غيمة العنصرية المتأصلة في النفوس لدى بعض الشرائح، وحتى انتخاب الرئيس النصف أسود، باراك أوباما لم يفلح أيضا، والحقيقة هي أن الحوادث العنصرية زادت في عهده بشكل كبير، ويرى بعض المعلقين أنها ردود فعل على انتخابه!!، وشخصيا لا أستبعد ذلك!.
حادثة مقتل الشرطي الأبيض لشاب أسود في مدينة فيرقسون، بولاية ميسوري تعتبر واحدة من سلسلة حوادث، لا تكاد تتوقف، بين السود والبيض، عبر التاريخ الأمريكي، وهي حوادث تخبو، وتشتعل، وبما أن كثيرين يضعون اللوم على البيض دوما، فإننا يجب أن نعترف بأن هناك عنصرية سوداء ضد البيض، أيضا، وقد قدر لي أن أحضر محاضرة لناشط أسود في جامعة ولاية متشجن، في عام 1990، وقد هالني كم الحقد، والكراهية التي يحملها، هو وأتباعه للعرق الأبيض، حتى أنه طالب بفصل الولايات المتحدة إلى دولتين، واحدة للبيض، وأخرى للسود، مع أنني لم أسمع يوما أحدا من البيض ذهب إلى هذا المدى البعيد في كرهه للسود، ومن المسلم به لدى علماء الاجتماع أن الأقليات تشعر دوما بالإضطهاد، حتى ولو نالت كثيرا من حقوقها، وهذا هو واقع السود في أمريكا، حتى وإن غضب البعض.
المواطنون السود في أمريكا أصناف متعددة، فمنهم من يتأسى بالأمريكيين البيض، ويقلدهم، ويتخلى عن أصوله، وتراثه، وهذا الصنف لا يعنيه العرق الأسود، ولا يهتم بما يحصل لمواطنيه السود، بل هو يعتبر نفسه مواطنا أبيضا!!، وهناك صنف ممتن جدا للخدمات التي تقدم له، ويتعامل مع الأحداث بحكمة وعقلانية، وهناك الصنف « المشكلجي»، وهذا الصنف يستثمر التسهيلات التي تقدمها الحكومة للسود، منذ إقرار قانون الحقوق المدنية، ويستهلك دون أن ينتج، ويكون جاهزا على الدوام لإثارة البلبلة، عند أدنى مشكلة، ولا يعني التظاهر، والتخريب في مدينة فيرقسون أن فاعليه على حق، وأن الحكومة مخطئة، ففي أمريكا هناك قوانين صارمة، تطبق على الجميع، وأقول للمتظاهرين السود في مدينة فيرقسون الأمريكية، والذين يرفعون عقيرتهم بالصراخ بأن أمريكا أضحت دولة عنصرية:» من يسكن البيت الأبيض حاليا، ويحكم الولايات المتحدة والعالم معها، هو واحد منكم، فتوقفوا عن هذا الهراء يرحمكم الله «!!.