تؤكد الإحصاءات النهم الشديد عند الشباب السعودي لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، فمتوسط استخدام قناة اليوتيوب عالمياً قد تزايد بنسبة 50 في المئة في عام 2012، وفي السعودية وصلت نسبة التزايد إلى 260 في المئة، والشباب السعودي اليوم أصبح متصلاً ومرتبطاً بالعالم الخارجي أكثر من أي وقت مضى،
فعدد السعوديين المبتعثين في أكثر من 35 دولة يتجاوز عددهم 170 ألف طالب، غالبيتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وكنتيجة طبيعية للانفتاح على العالم الخارجي، تبرز عدة أسئلة عن طموحات الشباب وآمالهم، وتساؤلات عن الدور الذي سيلعبه هؤلاء الشباب في صياغة مستقبل الوطن في إطار الثوابت الوطنية والإسلامية، وكيف سيتشكل المجتمع خلال العقود الزمنية القادمة، وغيرها من الأسئلة المتصلة بالمستقبل، وهذا الانفتاح على العالم الخارجي جعلهم في بحث مستمر عن الأجوبة المناسبة من خلال المناقشات والحوارات والمناظرات اللافتة للنظر على التويتر، التي وصفها أحدهم في تغريدة على التويتر بقوله نبحث عن أجوبة محددة تروي العطش وتسد الرمق، فأصبح التويتر متنفساً للشباب يعبرون فيه عن حيرتهم في الربط والتوفيق بين العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية في ظل العولمة، وقلقهم تجاه مستقبلهم الحضاري، وفي نفس الوقت تحول التويتر إلى منتدى لمناقشة الموضوعات التي كان الحديث عنها قبل زمن الإنترنت من الممنوعات أو المحظورات والمحرمات مثل حقوق المرأة المسلمة، وقيادة المرأة للسيارة، والفساد المالي والإداري، وصحة الآراء الفقهية المستمدة من عصر السلف لمعالجة الواقع الحديث، والمؤشرات في منتدى التويتر والموضوعات التي يجري مناقشتها بينهم تؤكد الرضا عند الشباب بالقيادة السياسية، وتعكس مزيداً من القناعة والتمسك بالقيادة السعودية بعد أحداث الربيع العربي وما نتج عنها من اضطرابات وانتهاكات وصلت إلى حد النهب والتخريب للمقدرات الخاصة والعامة، والاعتداء على المحارم وقتل الأبرياء. والمتابع للموضوعات التي تدور بين الشباب السعودي على التويتر يستنتج أن هاجس التغيير لديهم يتمحور في القضيتين الحضارية والدينية، ولا يمس جوهر القضية الاقتصادية أو السياسية لأن قوة الاقتصاد عامل مهم للاستقرار السياسي كما أن الاستقرار السياسي سبب مهم جداً للاستقرار الاقتصادي فكل منهما مرتبط بالآخر، والانتعاش الاقتصادي الذي تنعم به السعودية كفيل بتحقيق آمال الشباب وطموحاتهم القريبة والبعيدة، لأن النفط والغاز حسب رأي خبراء الطاقة سيظلان مصدرين رئيسين للطاقة على مدى الثلاثين سنة القادمة، بل إن بعض الخبراء يذهب إلى أبعد من ذلك بالقياس على وضع الفحم الذي يُعدُّ مصدراً قديماً جداً للطاقة ومع ذلك ما زال رديفاً وموازياً وأحياناً منافساً للمصادر الحديثة جداً المتمثلة فيلنفط والغاز، وحتى ينضب النفط السعودي أو يكتشف العالم مصدراً بديلاً للطاقة يمكن أن يحل مكان النفط ويلغي الاستفادة منه، ستتمكن الدولة السعودية من تحقيق خططها المرسومة في إيجاد مصادر بديلة للدخل لتحافظ على استمرار الانتعاش الاقتصادي، ولذلك فإنَّ السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو: ما وضع القضيتين الحضارية والدينية في ظل العولمة في المجتمع السعودي، ونتيجة لانفتاح الشباب على العالم الخارجي بسبب استخدام الإنترنت الذي يشحذ استقلالية التفكير والنقد والتقييم، سهلت محركات البحث السريعة جداً طريق الوصول إلى المعلومات الإسلامية على الإنترنت التي يجد فيها المتصفحون مختلف التفسيرات والتأويلات والفتاوى الإسلامية، فأصبح الشباب أكثر تساؤلاً عن العادات والتقاليد والمحظورات الدينية المتصلة بالحريات الشخصية في ظل الانفتاح الاجتماعي والثقافي، مثل قضايا: الزي الإسلامي، والاختلاط، وقيادة المرأة للسيارة، والحدود الدينية الصحيحة لقوامة الرجل على المرأة، لذلك غرد أحدهم قائلاً: إن التويتر هو برلمان الشباب السعودي يقصد بذلك أنه منتدى الآراء والأفكار والآمال التي يطمح الشباب السعودي إلى تطبيقها على أرض الواقع، والمتابع للموضوعات التي تدور في البرلمان يستنتج الآتي:
أولاً: أنهم يفضلون السلوك الاجتماعي والديني الذي يقوم على مبدأ التسامح واحترام الحريات الشخصية للآخرين.
ثانياً: يفضلون مزيداً من النزاهة والشفافية والكفاءة والجدارة في ساحات العمل بما في ذلك الساحة الرياضية وعلى وجه الخصوص ميدان كرة القدم.
ثالثاً: يفضلون تحويل الفتاوى الدينية إلى تشريعات وقوانين عامة مستمدة من التشريع الإسلامي، بدلاً من الاجتهادات الدينية الفردية التي تسبب الحيرة وتثير الجدل.
رابعاً: يؤكدون انتماءهم الوطني وتمسكهم بعقيدة التوحيد والمذهب السلفي الوسطي المعتدل.
خامساً: يرون أن اللحمة بين الكيان السياسي السعودي والمذهب الوسطي المعتدل سببٌ في بقاء المجتمع صامد ومتماسك أمام موجات التغيير التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وطالت مناطق أخرى بسبب الربيع العربي.
الخلاصة
إن الاتِّصالات والارتباطات بين الشباب السعودي والعالم الخارجي شحذت لديهم استقلالية التفكير والنقد والتقييم، فولّد لديهم تساؤلات بشأن طموحاتهم وآمالهم جلها يتمحور حول القضايا الحضارية والدينية.