من البرنامج التجريبي لرسوم الأطفال من حكايات كليلة ودمنة
كانت الحيوانات في الغابة لا تكاد تسمع زئير الأسد حتى تسرع بالفرار مختفية في بيوتها، فيتساءل الصغار عن هذا الرعب والفزع الذي يسود الغابة فيقال لها: (ان هذا الأسد ليس كباقي الأسود فهو يتلذذ بقتلها وافتراسها حتى عندما يشعر بالشبع) وفي ذلك الوقت كان الأسد يجلس في بيته مسترخياً ويقول للبوة: (أشعر بالكسل اليوم، ولا أجد في نفسي حماساً للخروج إلى الغابة).
فتجيبه: (لدينا طعام كثير يفيض عن حاجتنا ولا أرى داعي للخروج) لم يجب الأسد الا أنه بعد حين انتفض ناهضاً وأطلق زئيراً عالياً، فأدركت اللبوة أنه في طريقه إلى الغابة لينقض على الحيوانات ويفترسها استلقت اللبوة تحت أشعة الشمس وأغمضت عينيها، لكنها أحست بشيء يتراقص فوق جسدها، ففتحت عينيها بعد، جرادة تصيح في أذنها: (لماذا الكسل!!) فردت اللبوة: (وماذا أفعل أيتها الجرادة النشيطة) فردت الجرادة: (تتريضين.. تتجولين.. تتطلعين إلى جمال الطبيعة) فقالت اللبوة: (يبدو أنني أكثرت من الأكل أمس وأصبت بآلام التخمة).
فسألتها الجرادة: (ولماذا تأكلين أكثر من حاجتك؟) فردت: (ماذا أفعل، زوجي يجيء كل يوم بصيد كثير، وإذا لم آكل كثيراً منه فإنه يتلف ونضطر أن نلقيه بعيداً حتى لا نتأذى برائحته النتنة قالت الجرادة: (هذه غلطتك كان من الواجب أن تقنعي زوجك بالاصطياد لما يكفي لطعامكما.. فتعيشا في صحة وعافية وترحما الحيوانات التي يقتلها الأسد بلا هدف أو غاية) فقالت اللبوة: (كم قلت له هذا لكنه لا يستمع إلى قولي) وعلى مدى الأيام نشأت بين الجرادة وبين الأسد صداقة إلا أن الأسد كان لا يرضى بهذه الصداقة قائلاً: (كيف تقبلين صداقة جرادة حقيرة حشرة تافهة لا قيمة لها) فترد عليه: (بعد أن هربت الحيوانات من جوارنا لم يعد يسليني غيرها ثم أنها في غاية الذكاء والحكمة) ضحك الأسد طويلاً فقاطعته اللبوة قائلة: (وهل تظن الذكاء قاصراً على الأسد،ان الحيوانات الصغيرة تتمتع بالذكاء فهل ترضى أن يقال ان الثور أذكى منك لمجرد أنه أكبر منك؟) وفي إحدى الأيام عاد الأسد يحمل بين أنيابه الفرائس كالعادة إلا أن اللبوة ظلت راقدة داخل البيت، تنظر ولا تتحرك فدعاها لمشاركته الطعام إلا أنها أبت فسار نحوها ثم قال: (ألا ترغبين في مشاركتي الطعام؟) فأجابت: (لقد أكلت أمس أكثر من طاقتي وأشعر اليوم ببعض الآلام في امعائي) ابتعد الأسد عن الصيد وجلس في ركن بعيد فسألته اللبوة: (ما بك لماذا لا تأكل مما أحضرت؟) فقال: (لم تعد لي رغبة في الأكل) فقالت: (وماذا سنفعل بكل هذا الصيد؟ سيبقى في مكانه حتى يفسد ثم نتعب في نقله بعيداً عن البيت، لقد كانت الجرادة محقة فيما قالته) رفع الأسد رأسه غاضباً: (الجرادة مرة أخرى إلى متى تظلين تتأثرين بقول جرادة ضئيلة؟) فقالت: (على الواحد منا أن يستجيب إلى الرأي السليم أياً كان مصدره) بعد قليل اقتربت اللبوة من الأسد ونظرت إليه بحنان ثم قالت: (أنا لم أمتنع عن تناول الطعام استجابة لمشورة الجرادة بل لأنني بعد بضعة أشهر سأضع لك أشبالاً يملأون عليك البيت بهجة وسعادة!!) فرح الأسد فرحاً شديداً وأخذ يربت على زوجته ويقول لها: (أنا آسف يا عزيزتي، تعالي واستريحي وسأحضر لك كل ما تريدين).
وضعت اللبوة بعد عدة شهور شبلين، وأخذ يدور الأسد في البيت من شدة الفرح، وحين حاولت اللبوة تهدئته قال: (لا استطيع أن أبقى في مكاني، ففرحتي بأبنائي لا توصف، سأنطلق إلى الغابة) وأثناء انصرافه قابل الجرادة التي بادرت بقولها: (أرجو أن تنقل إلى اللبوة أطيب التمنيات) فأجاب: (أعدك بهذا أيتها الجرادة) قالت الجرادة في نفسها: أعتقد أن وجود الصغار، سينهي قسوة الأسد، وسيجعله رحيماً مع باقي الحيوانات) إلا أنه بعد بضعة ساعات خاب أملها حين عاد الأسد يحمل في حماس الحيوانات العديدة التي اصطادها وحين دخل على اللبوة قالت بحزن: (ومن الذي سيأكل كل هذا الصيد) فأجابها باعتزاز: (الشبلان الصغيران) فقالت باكية: (ألا تعلم أنهما يرضعان في هذا العمر) فقال: (سنأكل نحن هذا الصيد حتى نشبع، ثم نلقي ما يبقى بعيداً) فقالت غاضبة: (كنت أظن أن قسوتك على الحيوانات ستذهب عندما ترزق بصغار).
وهكذا بقي الأسد على حاله من القسوة، لا يسعده سوى أن يبعث الرعب في نفوس الحيوانات، فتجمد في مكانها ويسهل عليه افتراسها وذات يوم، أراد الشبلان أن يلحقا بالأسد وهو خارج إلى الغابة إلا أن اللبوة منعتهما وسمحت لهما فيما بعد أن يلعبا أمام البيت، وأثناء انهماكهما في اللعب والمطاردة أخذا يبتعدان عن الساحة دون أن يدريا فوصلا إلى مكان من الغابة لا يعرفانه، وبينما هما يحاولات العودة إلى المكان الذي جاءا منه، أبصرهما صياد وقد كان جالساً فوق حصانه حيث كان يراقب المكان بحثاً عن صيد ثمين يعود به إلى المدينة، وعلى الفور أسرع الصياد بحصانه حتى أدرك الشبلين فرمى عليهما شبكته وسحبها فأصبحا داخلها يجاهدان للخروج منها دون جدوى! هبط الصياد من فوق حصانه ورفع الشبكة فوضعها فوق الحصان ومضى مسرعاً في طريقه إلى قصر الملك عاد الأسد إلى بيته ليجد اللبوة في حالة هلع تجري هنا وهناك، وبعد جهد فهم منها ما جرى فراح يجري قاطعاً الغابة بحثاً عن الشبلين أما اللبوة فبدأت تشتم رائحة الشبلين وتسلك الطريق الذي سلكاه، وفجأة توقفت وبدأت تبكي وتقول بصوت حزين: (عندي شعور قوي بأنهما فقدا في هذا المكان) انصرف الأسد مواصلاً بحثه في انحاء الغابة ومرت الأيام والأيام وهما على تلك الحالة حتى سمعت اللبوة صوت الجرادة يواسيها: (يا عزيزتي كفاك حزناً وبكاء فالبكاء لا يعيد ما ضاع) فتنهدت اللبوة وقالت: (لن ارتاح حتى أعلم ما حدث لهما) فقالت الجرادة: (ماكنت أود أن أنقل اليك أنا هذا الخبر الذي عرفته من طيور الغابة، إلا أنني سأضطر أن أحكي لك حقيقة ما حدث). وقصت الجرادة ما سمعته من الطيور إلا أنها اضافت: (ان ما يخفق الأحزان انهما في خير وعافية، يقيمان داخل قفص واسع، وسط حديقة الملك).
عندما عرف الأسد ما حدث للصغيرين أصابه حزن شديد، وارتمى عند مدخل بيته لا يغادره ليلاً أو نهاراً، وبدأت الحيوانات تتحدث عن سر غياب الأسد عن الغابة فالبعض قال انه مريض والبعض الآخر قال انه مات، إلا أن الحيوانات بقيت على حذرها تخرج وتعود بحرص من بيوتها ومرت الجرادة ذات يوم على الأسد وقالت: (متى تنتهي أحزانك هذه؟) فقال: (وهل تنتهي مثل هذه الأحزان؟ لن استريح حتى انتقم) فدهشت الجرادة وقالت: (هل تنوي ان تنتقم من الملك؟ ألا تعلم أنه قادر على اصطيادك انت أيضاً ووضعك في أحد اقفاصه؟) فكر الأسد وقال: (ولكن ما ذنب الصغيرين البريئين وماذا فعلا حتى يحرما من الحياة معنا في الغاية؟) تشجعت الجرادة وقالت: (أرجو أن تفهم كلماتي فهماً سليماً هل سألت نفسك هذا السؤال وأنت تفترس عشرات الحيوانات بلا هدف أو حاجة. تلك الحيوانات التي كان لها آباء وأمهات يبكون لفراقها؟ ألم تشعر يوماً بالآلام التي كنت تزرعها في القلوب بهجماتك الوحشية؟ اعلم أيها الأسد انه مهما كانت قدرتك على البطش بمن هم أضعف منك فإنك لاشك ستلاقي من هو أقوى منك ومن يقدر على البطش بك) ظهر الحزن في عيني الأسد وقال: (أيتها الجرادة الحكيمة لا يسنعي إلا أن أشكرك على أقوالك لقد كان غروري يمنعني من التفكير في أحوال الآخرين وكانت قوتي تغريني بإيذاء غيري. وبعد صمت طويل رفع الأسد رأسه وقال: (اشهدي أيتها الجرادة الحكيمة.. منذ اليوم لن أقرب أحداً من الحيوانات وسأكتفي في طعامي بالثمار والحبوب والأعشاب وهو عهد أقطعه على نفسي!).
** ** **
رسوم:
1 - بادية مجدي حداد 6 سنوات
أطلق الأسد زئيره متجهاً إلى الغابة
2 - هارون مأمون الربضي 6 سنوات
نشأت صداقة بين الجرادة واللبوة
3 - فيكتور شارل عطاالله 6 سنوات
وضعت اللبوة شبلين جميلين
4 - جورج زياد بدر 6 سنوات
حمل الأسد بين أنيابه الفرائس
5 - فارس أشرف أبو عيطة 6 سنوات
قالت اللبوة عندي شعور أنهما فقدا هنا
6- سارة أسامة قاقيش 6 سنوات
جلس الأسد عند باب بيته حزيناً