يلعب المال دوراً محورياً في حياتنا المعاصرة فهو بحق كما يُقال عصب الحياة، ولذلك قرنه ربنا عز وجل بالنفس في آيات كثيرة، وهو كما وصفه ربنا عز وجل بزينة الحياة الدنيا، بل قدمه الله على الولد كزينة، وذلك لأهميته وحيويته لحياتنا، وجعل التّصدق بالمال وإعطاء المال وبذل المال من أعظم القربات، وواضح كذلك أن الإنسان مجبول على حب المال وأنه عديل النفس والحياة البشرية لا تتحرك بدون محرك المادة.. فالمال هو ما يجعل الغني غنياً والفقير فقيراً.. ومع أهمية المال في حياتنا المعاصرة إلا أنه وللأسف أحياناً قد يستخدم في استخدامات ضارة إن لم نقل قاتلة، فهذه الأموال قد تستخدم لتمويل الحروب والإرهاب والقتل والتفجير وغيرها.
وهنا في وطننا الكريم وقد أصابنا ما أصابنا من فساد هذه الطغمة الإرهابية والفئة الضالة على وطننا الكريم وتنميته ومقدراته ومحاولات أرباب الفكر الإرهابي والضال إفساد وتدمير وطننا وبلادنا حيث لعب المال دوراً محورياً في هذه اللعبة القذرة.
أفراد هذه الفئة الضالة وجد مع عدد منهم مبالغ طائلة من الأموال هذه بالإضافة إلى الأسلحة الباهظة الثمن وغيرها من الأمور الباهظة الثمن مثل استئجار البيوت والاستراحات وشراء السيارات وغيرها.. وتشير بعض التقارير إلى أن قيمة الأسلحة والمتفجرات والأموال النقدية التي وجدت مع من قُبض عليه من أرباب الإرهاب والفكر الضال تربو على المليار ريال.. وهذا رقم مخيف ومرعب في أن يستعمل أكثر من مليار ريال للهدم والتدمير والقتل والإفساد في الأرض.. وذلك لأننا نعرف أن هؤلاء الإرهابيين هدفهم الوطن والمواطن والأمن والمقدرات. وتعداه للأسف لمحاولة ضرب المصالح الاقتصادية والحيوية للوطن مثل محاولة الدخول والتخريب عندما حاول بعض أرباب هذا الفكر الدخول لمجمع بقيق النفطي لولا توفيق الله سبحانه وتعالى ثم متابعة ولاة الأمر، ومن ورائهم رجال الأمن وأسود الوطن الذين كانوا لهم بالمرصاد.
يجب أن نعرف أن المال هو العامود الفقري للمنظمة الإرهابية وهو وقودها الأساس للعمليات الإرهابية وعندما نغلق صنبور التمويل للإرهاب فإننا بهذا قد قصمنا ظهر هذا الفكر الضال وأهله وقضينا على محركه الأساس.
ولمعرفة دور المال بالإرهاب العالمي تُقدِّر لوريتا نابوليوني في كتابها عن الإرهاب باعتبارها خبيرًا اقتصاديًّا؛ تقدِّر الاقتصادَ الجديدَ للإرهاب في الوقتِ الراهن بنحو 5.1 تريليون دولار، سواء من خلالِ التحويلات القانونية، أو غيرِ المشروعةِ.
وتشير التقديراتُ الأوليَّة في إحدى الدول العربية إلى خسائرَ تتجاوز 12 مليون دولار على الأقل شهريًّا، ومع كلِّ يومٍ تزدادُ التقديراتُ والتوقعاتُ بمزيدٍ مِن الخسائر الاقتصادية في النقل، والسياحة، والنِّفْط، والصيد، والبيئة، وقطاعات أخرى... أَوجعَها حقْدُ الإرهاب، والفاتورة يدفعها المواطنُ الذي تَسعى الحكومةُ لتحسين أوضاعه المعيشية.
وقدَّر الاقتصادي بريان ويسبوري الأضرارَ الاقتصاديةَ الناشئةَ مِن أحداثِ الحادي عشرَ مِن سبتمبر بـ 120 مليار دولار، كما أحْدَثَتْ قلقًا ماليًّا على العافية الاقتصادية في أمريكا.. وتُقدّر خسائر الاقتصاديات العربية بسبب جرائم الإرهاب بنحو 200 مليار دولار.
ويمكن القولُ بصفةٍ عامَّةٍ إنَّ الإرهابَ عدوٌّ للتنميةِ فعلاً، ولا يجتمعان مطلقًا.. ومن هنا فإنَّ خطرَ الإرهابِ المباشرَ يتمثّل في ضرْب الاقتصاد الوطنيِّ، الذي هو شريانُ الحياةِ للمجتمعات.. فعلى سبيلِ المثال: ضرْبُ المطارات والموانئ، أو ضرْبُ السياحة ومنشآتِ النِّفط، ومِن ثَم تدميرُ المجتمعِ كلِّه، وإيقافُ عجلةِ التنمية.. كما يَبرز أثرُ الإرهاب على القُوى البشرية للدولة؛ إذ إنَّ الوطن يَخْسَر عددًا مِن أبنائه، الذين هم سواعدُ البناء، وهذه خَسارةٌ فادحةٌ في المرتَكَزِ التنموي الفاعل، وهي خسارة هائلة في التنمية البشرية عندما يتحول عدد من أبناء الوطن لإرهابيين.
وقد جاء في دراسة عن الآثار الاقتصادية للإرهاب الدوليِّ أنَّ هناك آثارًا واضحةً على البَطالة، والتضخُّمِ، والاستثمارِ، والأسواق المالية، وإفلاس الشركاتِ، وقطاعِ التأمين، والقطاع السياحي، وسِعْر الصرف، وميزان المدفوعات.. هذا بلا شك سيؤدي لصرف مبالغَ كبيرةٍ على حرْبِ الإرهاب، كانت ستنفَق على مشروعاتِ التنميةِ البشَرية والبِنْيَةِ الأساسية، كإنشاءِ الطُّرُقِ، والمستشفياتِ، والمدارسِ؛ لخدمةِ المواطنين كافَّةً.. وهذا سيتسبب في إحجام الشركاتِ الكبرى والمتعددةِ الجنسياتِ عن إقامةِ مشروعاتٍ في المجتمع؛ خوفًا من الإرهاب والإرهابيِّين.
ولعل أحد أهم العوامل لتمويل الإرهاب هو غسيل الأموال.. ولذلك تهتم الدول عامة بظاهرة غسيل الأموال لأن هذه العمليات يبلغ حجمها 6.1 تريليون دولار سنوياً - أي ما يعادل 01% من إجمالي الناتج العالمي - تقوم على تحويل المال غير المشروع إلى مال مشروع وهي ظاهرة إجرامية كبيرة.
وتقوم عمليات غسيل الأموال على عدة وسائل من خلال الصفقات التجارية والاستثمارات المتنوعة والتأمين بالإضافة إلى ابرز الوسائل وهي التحويل بالأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت لنقل هذه الأموال من الأماكن المشبوهة إلى الخارج وتحويلها إلى مال شرعي لتغطية مصدره الذي يكون من عمليات مشبوهة مثل تجارة المخدرات وتجارة الرقيق والاختلاسات المالية، بالإضافة إلى الرشوة والفساد الإداري والمالي.. وجاء نظام مكافحة غسيل الأموال الذي وافق عليه مجلس الوزراء قبل فترة ليعكس اهتمام المملكة بمكافحة غسيل الأموال بسبب قناعتها وإيمانها بأن هذا السلوك يخالف تعاليم الدين الإسلامي ويتعارض مع المبادئ السليمة في التجارة مما يكون له آثاره السلبية على الاقتصاد وعلى المجتمع، ومحاربة من يقومون بهذا العمل عبر إصدار أنظمة واضحة تعرّف الجريمة وتحدد عقوبتها من أجل علاجها والوقاية منها ومن نموها وانتشارها وتأثيراتها على الاقتصاد المحلي والعالمي.
وتُعد طرق الدفع الإلكترونية لنقل أو تحويل الأموال عبر الحدود حديثة النشأة على المستوى الدولي على الأقل لبعض الدول، فهي تتم بواسطة استخدام الشبكة العالمية أو أجهزة لاسلكية أو شبكات خاصة لتسوية المدفوعات، وتعترف مجموعة غافي في عدة تقارير لها بأهمية استعمال تلك الوسائل لتسوية المدفوعات إلكترونياً، وكذلك بالخطر الذي يصاحب ذلك الاستعمال لغرض جنائي.. وتسعى غافي بوصفها منظمة دولية مختصة بوضع معايير لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال مراقبة تلك الوسائل الحديثة، لتحقيق الموازنة بين المميزات الناتجة عن استخدام تلك الوسائل الحديثة لتسوية المدفوعات، وأيضاً الحماية من استغلالها أو استعمالها لغرض تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.. وبنفس القدر حماية سلامة النظام المالي الدولي وحماية حق عملاء تلك المؤسسات في السرية.
وعلى هذا الأساس ما زال المجتمع الدولي يترقب عن كثب تلك المنتجات المالية الإلكترونية لتسوية المدفوعات والتي يعتقد أنها تحتوي على إمكانية عالية من أن تستغل بواسطة غاسلي الأموال أو ممولي الإرهاب، خصوصاً أن المعرفة بهذه الوسائل لدى بعض سلطات المكافحة تكاد تكون معدومة في ظل غياب ضوابط رقابية تنظم آلية الإصدار والاستخدام، ومن ثم فإن المجرمين والإرهابيين لديهم القدرة السريعة للتكيف مع تلك الفرص الجديدة وتوظيفها لأغراض إجرامية، بسبب لجوء المؤسسات المالية للوسائل السريعة في تسوية المدفوعات فيما بينها.. ففي دراسة لتقييم مدى انتشار تلك الطرق للدفع والمخاطر المصاحبة لاستغلالها في عمليات غسل أموال أو تمويل الإرهاب، فقد توقّع جهاز مكافحة الجرائم المالية الأمريكية أن ينتشر استخدام كل من بنوك الإنترنت والنقد الإلكتروني على الشبكة العالمية بحلول عام 2020م بشكل عام.. فتلك الطرق الحديثة في نقل وتحويل الأموال توفر ميزتين لغاسلي الأموال وممولي الإرهاب، وهما السرعة في تحقيق الرغبة والسرية للعمليات المالية، وهذا مثلاً ما حصل في قضية غسل أموال قذرة في هولندا مؤخراً حيث استغرق غاسل الأموال لتطهير أمواله غير المشروعة (45) ثانية فقط، في حين أن التحقيق في تلك القضية استغرق تقريباً ثمانية عشر شهراً دون نتائج إيجابية.
وهنا يُعتبر الإرهاب بكل تأكيد أخطر العناصر على الاقتصاد الوطني من عدة جهات لعل منها خطره المباشر على الاقتصاد، فالإرهابيون يحاولون جهدهم ضرب الاقتصاد الوطني، حيث إن الاقتصاد هو شريان الحياة للمجتمعات. وتحاول المنظمات الإرهابية ضرب هذا الشريان الحيوي ومن ذلك ضرب المطارات أو الموانئ أو ضرب السياحة في البلدان السياحية ومثل هذا ضرب المصالح السياحية في مصر، وعندنا هنا عندما قتل عدد من المقيمين الغربيين ظلماً وعدواناً، فالهدف من هذه العمليات إشاعة الخوف والرعب بين من يريد القدوم للسياحة لهذه البلاد وإشاعة فكرة أنها ليست آمنة.. ولا يشك عاقل في أهمية السياحة وإنها مصدر دخل رئيس لعدد من الدول.
كذلك من أنواع الأضرار باقتصاديات الوطن المباشرة ما حصل في وطننا الحبيب عندما حاولت هذه العصابة الخبيثة ضرب مصفاة النفط في بقيق قبل فترة.. والهدف الأساس من هذا هو تدمير الاقتصاد والدخل الوطني لأن هذه العملية الحقيرة بنظرة الإرهاب سوف تضر باقتصاد الوطن ككل.
وهنالك العديد من الآثار الاقتصادية غير المباشرة للإرهاب لعل من أهمها صرف مبالغ كبيرة على حرب الإرهاب، وقد كان من المفترض أن تصرف هذه الأموال على التنمية البشرية مثل الطرق والمستشفيات والمستوصفات والمساجد والمدارس والجامعات وغيرها، وهذه الأموال الآن تأخذ طريقها لحرب الإرهاب حيث إن هذه الحرب مقدمة على التنمية، ويجب فعلاً أن تكون كذلك لأن هدف الإرهاب تدمير المجتمع كله وإيقاف عجلة التنمية.
كذلك من الآثار غير المباشرة للإرهاب انخراط الكثير من الشباب في المؤسسات الأمنية لمكافحة هذه الآفة الخطرة. ولو لم يوجد الإرهاب لاستفادت قطاعات أمنية أخرى من هذه الكوادر مثل المرور والشرطة والدفاع المدني والجوازات وغيرها من هذه الكوادر الشابة، وكذا الأموال التي تصرف على هذه الكوادر للتدريب وعلى الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب، فلولا الإرهاب لصرفت هذه الأموال على تنمية وتطوير الأجهزة الأمنية الأخرى والتي يحتاجها المجتمع فعلاً.
كذلك من الآثار الاقتصادية للإرهاب صرف مبالغ كبيرة لمن يدل على أحد الإرهابيين كما في البلاغات الرسمية بملايين الريالات.. وكنت كمواطن أتمنى أن تصرف هذه الملايين على مدارس أو طرق أو مستوصفات جديدة تخدم المواطنين.. ولكن هنا لا بد أن نعرف ونعترف بأن حرب الإرهاب اليوم هي حرب فاضلة ومقدمة على كل شيء لأنه وكما ذكر هدف الإرهاب تدمير الوطن ومقدراته ولا بد من اقتلاعه عاجلاً وبأي ثمن.
وكمتخصص في مكافحة الإرهاب أقولها بصراحة لأن يتأخر مشروع طريق أو جامعة أو مستشفى خير ألف مرة من تأخير مكافحة الإرهاب فمكافحته مقدمة للأسف على التنمية، حيث إن الإرهاب هو عدو التنمية ولا يجتمعان مطلقاً.
كذلك من آثار الإرهاب الاقتصادية الحراسات الأمنية المشددة والصبات الخرسانية وهذه بلا شك لها تكلفتها الاقتصادية الباهظة ولا تعكس الصورة المشرقة لهذا الوطن الآمن الحبيب.
كذلك من الآثار الاقتصادية للإرهاب هو تدمير جزء من البنية التحتية الأساسية للوطن بأيدي هؤلاء الإرهابيين أمثال المباني الحكومية والطرق وغيرها.. وهذه المشاريع لم توجد أصلاً إلا لخدمة المواطن والمقيم.. وأرباب الإرهاب يرغبون في تدميرها لإظهار قوة الفكر الإرهابي وسطوته.. وتدفع الدول أموالاً باهظة لإعادة بناء ما دمره أرباب الإرهاب وهذه الأموال تدفع على حساب مشروعات تنموية أخرى تخدم المواطن والمقيم.
كذلك من الآثار الاقتصادية للإرهاب هو المبالغ الكبيرة التي تصرف على أسر الشهداء الذين قُتل أبناؤهم في الدفاع عن الوطن.. وهؤلاء وإن كان حقاً على الوطن والمواطنين جميعاً إكرامهم والبذل لهم وهذا هو الحاصل ولله الحمد، ولكن يجب أن نعترف أننا كنا نتمنى أن تذهب الأموال لمشاريع تنموية أو مشاريع معالجة الفقر في هذه البلاد المباركة.. ولكن أرباب الإرهاب والفكر الضال أبوا إلا أن ييتموا أطفالاً ويرمّلوا نساءً ويفجعوا آباءً وأمهات في أبنائهم.. فمن حق الوطن والمواطنين رد الجميل لهؤلاء وأسرهم نظير ما قدمه أبناؤهم أسود هذا الوطن الذين قدموا أرواحهم رخيصة لدينهم ولهذا الوطن الكريم وأهله.
كذلك من آثار الإرهاب الاقتصادية الخوف الذي يعتري بعض المواطنين من البدء في مشروعات تنموية تجارية تخدمهم وتخدم المجتمع.. كذلك امتناع بعض الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات من افتتاح فروع لها خوفاً من الإرهاب والإرهابيين.. وهذه نظرية قديمة في علم الإجرام أنه عندما تكثر الجريمة والإرهاب يهرب أصحاب رؤوس الأموال ويحجم آخرون عن الحضور.. وكما يُقال إن رأس المال المهدد بالإرهاب جبان ويهرب إلى أماكن وبلاد بعيدة حيث الأمن والأمان والطمأنينة بعيداً عن الخوف والهلع من الحوادث الإرهابية غير المتوقعة.. كذلك من أثر الإرهاب الاقتصادي السجون التي يقبع بها عدد من الإرهابيين فهذه السجون تكلفتها باهظة من مبان وحراسات وإدارات وتصرف مبالغ طائلة على هؤلاء الإرهابيين في السجون وهنا تتحول الأموال كما ذكر من مشروعات تنموية تنفع الأجيال في هذا الوطن لأموال هدفها حماية الوطن ممن شذّ وانحرف من أبنائه.. كذلك من اقتصاديات الإرهاب تدمير الاقتصاد للمواطنين عن طريق انتشار عمليات السرقات للمؤسسات المالية والتجارية بهدف تمويل العمليات الإرهابية.
إن اخطر اقتصاديات الإرهاب على الإطلاق وأفدحها خسارة هو أن الوطن يخسر عدداً من أبنائه ومن هم سواعد البناء لهذا الوطن لتكون معاول هدم للوطن ومقدراته.. وهنا خسارة في المرتكز الأول للتنمية وهو المواطن والذي كانت الدولة بكل مؤسساتها التي تخدم المواطن مباشرة وغير مباشرة تأمل أن تبني شاباً يخدم الوطن بكل ما أوتي من قوة لا أن تخسر الدولة أبناءها بسبب دخولهم في عالم الإرهاب القذر والنتن.. ومن ثم تصرف أموال طائلة للبحث عن هذا الشاب الإرهابي والتحقيق معه وربما سجنه وقد يكون للأسف قتله وهذه هي المأساة الحقيقة في انحراف وفساد بعض أولادنا ممن دخلوا في مستنقع هذا الفكر الخبيث.
وهنا سؤال كبير ومحوري من أين تأتي هذه الأموال؟.. يدرس علم الإجرام فيما يدرس تمويل المنظمات الإجرامية والإرهابية حول العالم وهذا ينطبق على الفئة الضالة لدينا ويأتي هذا التمويل في الكثير من المنظمات الإرهابية حول العالم من شخص ثري متعاطف مع هذه الفئة الضالة ويحمل نفس فكرها الإرهابي وله نفس التوجهات ويعمل بدور الممول للأنشطة الإرهابية فهو يدفع الفاتورة دون أن يشترك جسدياً في أنشطة الإرهاب، وللأسف هنا تتحول هذه الأموال من أموال نظيفة لأموال قذرة أموال اكتسبها هذا الإنسان القذر من التعامل مع أبناء الوطن بخيرات الوطن ليدعم بها أفراد هدفهم تدمير مقدرات هذا الوطن.
للأسف هذا أحد أركان الجريمة الإرهابية وهذا الشخص المموّل يتحمّل المسئولية عن الحدث الإرهابي أكثر من المنفذ للحدث الإرهابي، فهذا الممول هو من يسهل ويساعد في عمل عدد من أرباب الفكر الإرهابي بواسطة أمواله القذرة التي استخدمت لتدمير الوطن وقتل المواطنين والمقيمين الآمنين.
نوع ثان من أنواع التمويل للإرهاب هو بواسطة جمع التبرعات هنا يجب أن نعرف أننا نمر بظروف استثنائية وصعبة فرضها علينا أرباب الإرهاب والفكر الضال.. ومن هذا المنطلق يجب التدقيق في الأمور المالية كلها والتي كانت سائدة قبل الإرهاب حتى لا تتحول هذه الأموال لمعاول هدم للوطن وقتل للمواطن.. وبسبب هذه الظروف الاستثنائية فالواجب علينا جميعاً أخذ الحيطة والحذر لمن تدفع الأموال، وأين ستصرف، وهل هناك إذن لذلك من الجهات الرسمية حتى لا يقع الإنسان في مواقع شبهة وتساؤل من الجهات الأمنية، وكان يريد الخير ولكن المال للأسف تحول لأيدي الإرهاب وأهله.. ونحن في الحقيقة مجتمع طيب وعاطفي ونحب المساعدة وهذا جميل ونبيل ولكن يجب الحذر من أن تستغل هذه الأموال في نشاطات تدميرية.. فعندما يكون الوطن في المحك تصبح العاطفة والتعاطف مع الإرهاب جريمة بكل المقاييس.
وهناك من المنظمات الإرهابية في بعض الدول من توفر السيولة المطلوبة لها عن طريق إيجاد عناصر شابة متعاطفة مع هذه المنظمة الإرهابية تبيع أشياء بسيطة قرب التجمعات البشرية مثل المساجد والأندية والمراكز التجارية والحضارية تشمل هذه الأمور الجلديات الصغيرة مثل المحافظ والحزامات والمسابح والمكسرات وغيرها.. وهذا ثبت في عدة مناسبات في دول مجاورة أنها تموّل منظمات إرهابية.. أيضاً يقوم عدد من المنظمات الإرهابية حول العالم بعملية غسيل أو تبييض أموال هدفها جمع المال وتحويله بطرق ملتوية ونقله من بلد لآخر.. فلا يستغرب أن يقوم أفراد من هذه الفئة الضالة بصفقات وهمية أو بعمليات اتجار بالمخدرات كما هو حاصل في بعض الدول والمجتمعات، ولا يستغرب أن يقوم أرباب الإرهاب بتزييف العملة لهدفين أولهما تدمير الاقتصاد الوطني عن طريق نشر أوراق مالية مزورة بحيث تفقد العملة الأصلية جزءاً من قيمتها الأساسية، وثانياً: توفير سيولة نقدية لهذه المنظمة الإرهابية لتسهل عليها القيام بأعمالها الإجرامية.. ولا يستغرب كذلك أن تقوم هذه المنظمة بعمليات سطو مسلح على مصارف أو محلات تجارية خاصة محلات الذهب للسرقة، وهذا حدث فعلاً في مجتمعات قريبة.. ولا يستغرب كذلك قيام المنظمة الإرهابية بتوظيف أحد كوادرها للعمل في أحد المصارف أو المؤسسات المالية ليقوم بتسهيل عمليات النصب والاحتيال للحصول على الأموال.
من الضروري معرفة أن البعض من المؤسسات والأفراد الممولين للإرهاب هم فعلاً أصعب ملاحقة قضائية من الدول الممولة له، حيث إن هذه المؤسسات والأفراد يبدون للمجتمع بأنهم فوق كل شبهة ويمارسون نشاطات شرعية لا غبار عليها.. وقد يلجأ هؤلاء الأفراد والمؤسسات إلى وسائل حديثة جداً ومتطورة ومعقدة يصعب في كثير من الأحيان الكشف عنها مثل استخدام التحويلات الإلكترونية والإنترنت في العمليات المصرفية والاختباء وراء أسماء جمعيات وهمية بعيدة عن الشبهة الأمنية.. أو العمل من خلال شبكات مافيا متخصصة بتمويل الإرهاب وذلك خلال شركات ومؤسسات متعددة الفروع والجنسيات والاختصاصات بحيث تتحول الأموال من دولة لأخرى وكأنها من فرع لفرع في نفس المؤسسة وهي أموال قد تصب في النهاية لصالح أرباب الإرهاب والفكر الضال وتهدف في النهاية لتدمير هذا الوطن ومقدراته.
هذا الصرف الكبير للأموال على التمويل من دفع أموال لصغار السن لتجنيدهم وعلى شراء الأسلحة والسيارات واستئجار البيوت والاستراحات وغيرها لا أشك أنها تأتي من مصادر مالية غنية ولا أستغرب أن تكون هناك جهات خارجية من مؤسسات كبرى أو حتى دول حاقدة وكارهة لنا مثل إسرائيل واللوبي الصهيوني لها يد في دعم وتمويل الإرهاب عندنا وغيرها.. هذه الدول والمؤسسة المعادية لنا ليست من الغباء بأن تقدم الأموال مباشرة لهذه الفئة الضالة بل عبر عدد من الوسطاء وعملاء لهم يتكلمون لغتنا ويفهمون طبيعة مجتمعنا، وكذلك تحول الأموال من تلك الدول المعادية والمؤسسات الصهيونية عن طريق قيام عملائها من بني جلدتنا بعمليات تجارية وهمية وغسيل أموال قذرة فقط لتنتهي هذه الأموال الطائلة بأيدي أرباب الإرهاب والفكر الضال لتدمير مقدرات وتنمية هذا الوطن الحبيب.. وتستفيد تلكم الدول والمؤسسات الحاقدة علينا أنها ساعدت على تدمير وطننا بواسطة عدد ممن غرر به من أبناء الوطن وهذه هي المصيبة.. كذلك يقوم عدد من المنظمات الإرهابية بجمع أموال عن طريق الإنترنت والمواقع الإلكترونية بدعوى مساعدة البلد الفلاني المنكوب أو المجتمع الفلاني ويعطي رقم حساب في دولة ثانية.. ويطلب جمع التبرعات ويسارع عدد من أبنائنا بدفع أموالهم لهذه المنظمة بدون التأكد منها ومن شرعيتها وعملها وموقعها ونشاطها.. كذلك الحال تتكرر في عدد من الفضائيات التي تعطي أرقام حسابات لإرسال الأموال إليها بل، وعندما يتكرر استلام أموال من شخص معين ترسل له هذه الجهة خطابات شكر، وأحياناً صوراً لمشاريع وهمية تقول إن أمواله ساعدت في إقامتها أو أسر استفادت من هذه الأموال.
كذلك لا يستغرب أن يستغل أرباب الفكر الإرهابي بعض الأطفال والنساء في عمليات التسول قرب المساجد والمراكز التجارية بشكل عصابات.. فبعض المتسولين لديهم تنظيمات ومواصلات وتنسيق في أماكن الجلوس وتجمع هذه الأموال يومياً لتنفيذ عمليات قذرة وتدميرية بحق الوطن والمواطن.. وهذا يدعوا فعلياً الجهات الأمنية أن تبادر بمراقبة التسول والمتسولين والمتسولات لئلا نقع في مصائب بسبب تهاوننا جميعاً في مراقبتهم ومنعهم.وأيضا قد يلجأ عدد من المتعاطفين مع أفراد الفئة الضالة إلى الاتجار بالأسلحة وتهريبها وبيعها وحتى يتسنى لهم أمرين الأول: نشر السلاح بين الناس خصوصاً ممن لهم تعاطف مع هذه الفئة الضالة أو على الأقل لديهم حيادية في التعامل مع هذه الفئة، وكما ذكر سلفاً عندما يكون الوطن في المحك فالحيادية هنا جريمة وانحراف بكل ما تعنيه الكلمة.. فيجب ألا يوجد بيننا حيادي لأن الحيادية معناها ببساطة الموافقة على هذه الفئة الضالة وأفعالهم الإجرامية القذرة والأمر الثاني الحصول على الأموال لتمويل نشاطاتهم التدميرية الخبيثة.
إذاً المطلوب من المواطن أن يكون لبنة خير وبناء لهذا الوطن وأن لا يكون معول هدم لوطنه وذلك من خلال عدة أمور لعل منها.. أولاً: دفع الصدقات والزكاة للجمعيات الخيرية المصرح لها والمعلنة وأخذ إيصالات بذلك، ثانياً: منع وإنكار المنكر بأنه إذا رأى أو سمع بجمع أموال يجب أن يبلغ جهات الاختصاص، والجهات الأمنية عندنا في غاية العدل والمثالية وسوف تتحقق من هذه الأموال بكل حيادية.. يجب أن نعرف أننا في هذه الأوقات وفي هذا الوطن نعيش وأقولها بصراحة في ظروف استثنائية فرضها علينا أرباب الفكر الإرهابي والضال وفي الظروف الاستثنائية يجب أن يقدم المواطن بعض التنازلات ويكون له حس أمني ويعرف أن أرباب الفكر الإرهابي والضال يحاولون اصطياد أي ثغرة صغيرة في منظمتنا الأمنية والاقتصادية والمالية، ففي هذه الأوقات والظروف الاستثنائية يجب أن لا يكون هناك مجال للاجتهادات الشخصية والتي قد تكون قاتلة.
كذلك يجب عدم الانسياق وراء الإعلانات في الإنترنت والفضائيات والتي تطلب أموالاً لدعم ذلك المجتمع أو غيره، قبل التحقق من الجهات الأمنية هنا في المملكة عن صحة تلك الجهات ومصداقيتها.. وهنا في هذا الوطن المعطاء لدينا الكثير جداً من الحملات الإغاثية والتي تجمع التبرعات لكل المجتمعات التي تحتاج للمساعدة بطرق منظمة واضحة معلنة، فلا داعي للدخول في دهاليز الظلام.. أيضاً يجب الحذر من المساهمات الوهمية والتي تعد بأرباح طائلة لأنها قد تكون شركاً لاصطياد الفرائس من أبناء هذا الوطن لأخذ أموالهم ثم تتحول هذه الأموال لأيد همها وهدفها تدمير هذا الوطن الكريم.. أيضاً يجب أن نحذر من المتسولين فنحن للأسف كمواطنين نساعدهم على هذه الطريقة غير الحضارية للعيش فلو لم يعط المتسول أموالاً وإنما يرسل لجهات خيرية لقضينا على هذه المشكلة.. خصوصاً ان الغالبية العظمة من المتسولين هم من غير المواطنين.. وقد أثبتت عدة دراسات وجود تنظيمات سرية للمتسولين وطرق ملتوية لجمع الأموال.. وهنا موطن خطر يجب الحذر منه أيضاً وبما أننا في أوضاع استثنائية فيجب على الجهات الخيرية التي تتعامل مع الأموال بحذر في أن تتشدد في طرق الجمع والتحصيل لهذه الأموال وطرق الصرف لها.. وأن يكون ذلك موثقاً وباستخدام الحاسب الآلي لتسهيل الرجوع إليها وأن يتم ذلك بإشراف محاسب قانوني.. أيضاً من المهم التأكد من تحويلات العمالة الوافدة فلا يستغرب أن يستغل أرباب الإرهاب والفكر الضال العمالة لتحويل الأموال من حساب شخص لشخص آخر بأسماء هؤلاء العمالة وإقاماتهم.. وهنا اقتراح أن يتم تسجيل كل حوالة يقوم بها العامل في سجل إقامته تظهر للجهات الأمنية حتى يسهل الرجوع إليه وقت الحاجة وحتى نقلل من السرقات وتهريب الأموال.. ويجب أن يعرف البنك بواسطة نموذج لمن حوّلت الأموال وكم ومتى؟.
إذا كان الإرهاب له هذه الآثار التدميرية الباهظة الثمن على الوطن والمواطن فهل هناك من حلول.. والحل في نظري كمتخصص في مكافحة الإجرام والإرهاب أنه لا مكان لإرهابي ولا مكان لفكر إرهابي في هذا الوطن. فالإرهاب والإرهابيون عنصرا تدمير خبيث وسرطان قاتل في جسد الوطن ويجب أن يجتث ويبتر في أسرع وقت ممكن حتى لا يستفحل وينتشر.
وهناك جزأين للحل، فالأول هو الجزء أو الشق الأمني وهو الذي قامت وتقوم به الأجهزة الأمنية ويتم ذلك بكل اقتدار وله نتائجه الملموسة والواضحة في اضمحلال الفكر الإرهابي الخبيث وتدمير قواعده وتشتيت جهوده ولا أوضح من النجاحات الأمنية التي حصلت في الضربات الاستباقية التي فاجأت أرباب الإرهاب والفكر الضال وقضت على قوتهم، أما الشق الثاني وهو الشق الفكري وأنا كمتخصص أرى أن الجهد الفكري هو بلا شك الأساس لمكافحة الإرهاب، حيث إن الفكر لا يدحض ولا يوقف ولا يحارب إلا بفكر، والسلاح مهما كانت قوته لا يمكن له تغيير الفكر.. وهذا الجهد الفكري لا يكلف الكثير بالمقارنة في الجهد الأمني سواء كانت بالأرواح أو المعدات أو الأموال، وكمتخصص أرى أننا في بداية الطريق في المكافحة الفكرية وهذه البداية تبدو لي حالياً على الأقل للأسف مشتتة وغير مدروسة وغير منسقة وعبارة عن اجتهادات فردية.. ولا أصدق على هذا من دراسة نشرتها قبل فترة إحدى القنوات الفضائية تذكر فيها أن نصف الشباب السعودي لن يبلّغوا عن إرهابي إذا ما عرفوا مكانه وهذه مشكلة بحد ذاتها.
ومن نافلة القول إن الفكر مهما كان توجهه لا يُواجه إلا بفكر، وهنا أهمية الجهود الفكرية للقضاء على هذا المرض الخبيث.. لذلك يجب ويتحتم تحويل العاطفة الجياشة ضد الإرهاب والفكر الضال لعمل منظم ومؤسساتي مدروس يحتاج لإستراتيجية واضحة طويلة الأجل أرى كمتخصص في مكافحة الإرهاب أن تستغرق من خمس لعشر سنوات يشترك فيها عدد من الجهات الحكومية والخاصة والتطوعية والخيرية في جهد منسق ومدروس دراسة علمية تتبعية، بحيث لا نضع برامج للقضاء على الإرهاب ثم نكتشف خطأ أو ضعف أو عدم جدوى هذه البرامج وهذه أهمية الدراسات العلمية التتبعية.
ولا شك أن عملية رصد والإرهاب الجرائم عموماً تنطوي تحت مسؤولية مراكز البحوث الأمنية والمراكز الفكرية والتي لا بد أن تصدر توصيات وتكون على استعداد لتقديمها إلى أصحاب القرار.. ويتأتى دور الإعلام الأمني والذي يقع على عاتقه دور كبير بالتعريف بهذه الأنماط من الجرائم وتأكيد المواطنة الصحيحة، مبيناً أن الإعلام الحالي إعلام أزمات لأنه لا يتعامل بطريقة احترافية مع الطوارئ، وإنما أعلامنا العاصر في غالبه مبني على ردود أفعال وقتية.
مرة ثانية أقولها إننا وبسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن فمن الواجب علينا جميعاً أن يكون لنا حس أمني مرهف وجلي، وأن لا تمر علينا الأمور ببساطة، لأن أرباب الإرهاب يحاولون الدخول من أي ثغرة صغيرة في منظومتنا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.. وكم أعجبتني كلمة أحد القادة العظام عندما قال: «لا تذكر مطلقاً ماذا فعل وطنك لك ولكن دائماً تذكر ماذا فعلت أنت فعلاً لوطنك».
أسأل الله تعالى أن يحمي هذا الوطن الكريم بعينه التي لا تنام، ويحفظه من كل مكروه تحت قيادته الراشدة، وأن يدمر كل من أراد وطننا بسوء، وأن يشغله بنفسه عن وطننا، وأن يجعلنا فعلاً في موقع المسئولية الملقاة علينا جميعاً، ولله الأمر من قبل ومن بعد.