في السعودية الكل يحلم بأن يكون لاعب كرة قدم، أعلى من مرتب مدير أكبر شركة سعودية، بل أعلى من مرتب أي وزير سعودي، اذهبوا إلى (الفالح) الذي هو الموظف رقم واحد في شركة أرامكو، قائد أكبر شركة نفط في العالم، صاحب القرارات التي من خلالها تكسب دولتنا مئات المليارات من الدولارات سنوياً، هذا (الفالح) الذي إذا لم يذهب لمكتبه صباح يوم من الأيام لأهتزت قلوب وأفئدة دول وأسواق عالمية كثيرة، اذهبوا إليه وأسألوه عن مرتبه الشهري إن تجاوز راتب أحد لاعبي منتخبنا سأعلن توقفي عن الكتابة مدى الدهر، اذهبوا إلى مدير أي جامعة سعودية، إلى مدير أي
مستشفى سعودي، جميعهم لن يصل دخلهم الشهري لنصف ما يقبضه لاعب كرة قدم سعودي في الأندية الأربعة الكبار المتنافسة على بطولة الدوري ذات الجماهيرية، مع ملاحظة أن أغلب لاعبي كرة القدم لا يحملون مؤهلات علمية عالية، وكأنه أمر شبه متفق عليه، إنه لا ينجح في كرة القدم غير من هو فاشل دراسيَا، وهذا مما انعكس سلبًا أيضا على من اعتزل كرة القدم ليجد نفسه دون أي دخل مادي، فمن لم يتدارك هذا الأمر سابقًا أصيب بصدمة كبيرة نتيجة انطفاء الشهرة وانعدام المال، غير أن هناك مصيبة عظمى تحدث بسبب منح هؤلاء اللاعبين ملايين الريالات وهي عدم قدرتهم أو مساهمتهم في رد ولو جزء بسيط من المبالغ الطائلة التي دفعت لهم، إذ لا يوجد سوق حقيقي يحفظ لللاعب ولناديه حقوقهم المادية مع أنه لو وجد من يحفظ له تلك الحقوق لما استطاع بيع ما يرد ولو ربع ما صرف عليه، المفترض بالعقل والمنطق أن يكون ما يدفع لهؤلاء اللاعبين يتم كسب أضعافه لأنه من غير المعقول دفع مبالغ كبيرة في مشروع مكاسبه أقل بكثير من رأس ماله أو المبالغ التي يتم صرفها عليه، دخول بعض الأشخاص للوسط الرياضي بقصد البحث عن الشهرة أضر ليس فقط في تزعزع مستوى الرياضة وتقدمها نحو الفوضى والانهيار بل أضر بمستوى المنتخب الوطني والأهداف الجميلة التي من أجلها تقام كرة القدم، مفارقة مضحكة وما أكثر مفارقاتنا المضحكة في هذا المجتمع، أن الالتحاق بركب كرة القدم لا يكلفك شيئا سوى أن تكون فاشلاً دراسياً بلا هدف أو لا يرجى منك أن تكون موظفاً ناجحاً (أغلبهم وليس جميعهم)، بينما الالتحاق بركب المخترعين والمبتكرين سيكلفك الكثير من المال والجهد والتحقق من شهاداتك ومن الجامعة التي تخرجت منها، وستدوخ بين عدة جهات تتقاذفك بينها كما يتقاذف أ-ب من اللاعبين الكرة بينهما وفي النهاية لا تخرج بنتيجة، بل إن الاحتمال الأكبر هو سرقة اختراعك أو إجراء تعديل بسيط عليه لتنفيذه وأنت تشاهد غير قادر على فعل شيء سوى الندم على كل يوم دراسي أمضيته محبوسًا في المدرسة عن أهلك وعن ممارسة كرة القدم، اللعبة التي تغنيك عن أن تكون وزيرًا أو عالمًا أو مخترعًا أو رئيسًا لأرامكو أو مديرًا لجامعة أو مستشفى!