أرامكو، شركة الزيت السعودية العالمية، أدركت مسؤليتها الاجتماعية منذ بدايات تأسيسها حيث ساهمت في تخطيط المدن الحديثة بالمنطقة الشرقية وفي بناء المدارس النموذجية بالمنطقة وفي تأسيس كهرباء الشرقية وغيرها من المشاريع الحيوية المساهمة في تطوير المجتمع المحيط بالشركة وتحديداً مجتمع المنطقة الشرقية، حتى غدت تلك النماذج مضرب المثل في تميزها.
تراجعت مساهمات أرامكو الاجتماعية فترة من الزمن ثم عاد وهجها في الفترة الأخيرة، ولكن من خلال نماذج مختلفة. نماذج بعضها يجلب الإعلام والدعاية دون ملامسة الاحتياجات الحقيقية للمنطقة، كالمشاركة في الرعايات الإعلامية للمهرجانات والندوات والاحتفالات الاجتماعية وغير الاجتماعية، والبعض الآخر يدغدغ مشاعر النخب الثقافية والعلمية كدعم المشاريع البحثية والمراكز الثقافية وغيرها.
الأسئلة التي أطرحها هنا؛ هل تنازلت أرامكو في توجهاتها الحديثة عن خدمة المجتمع المحلي باحتياجاته البسيطة واليومية، وتحولت إلى الاهتمام بالنخب التي تجلب لها الدعاية والإعلام وربما العوائد المادية (مثال عوائد براءات الاختراع للبحوث التي تدعمها)؟ هل تحولت أرامكو إلى نخبوية ولم تعد تلامس هموم أبناء القطيف والهفوف والخبر والدمام ورأس تنورة والحفر والنعيرية وما حولها من قرى ومدن ومحافظات؟ هل انتهت احتياجات المواطن بالمنطقة الشرقية في المجال الصحي والتعليمي والبيئي و الاجتماعي، فأصبح مهموماً بشراكات البحث العلمي ومراكز الثقافة و مهرجات الصيف والشتاء الترويحية؟
بالنسبة لي أراه أمراً محزنا أن تكون أكبر نسبة سرطان ثدي بالمنطقة الشرقية وتغيب شركتها الكبرى عن تأسيس مراكز لعلاج السرطان بالمنطقة الشرقية. أراه مؤلماً أن لا تمد أرامكو يديها لتطوير مستشفيات الدمام والهفوف والقطيف والجامعي التي أصابتها شيخوخة الأداء والمبنى والبيئة. أراه مزعجاً أن تدرس طالبات المنطقة بكليات في مبان مؤقتة وأرامكو تبني مراكز البحث في أصقاع الدنيا. أراه مؤلماً أن تمر سنين دون أن نرى مخططا سكنيا متميزا في المنطقة وأرامكو تؤسس لمهرجانات تعد من الرفاهية مقارنة باحتياجات المسكن والصحة والتعليم.
أنا كأستاذ جامعي ومثقف (أو هكذا أصنف) أسعد بتطوير البحث العلمي والثقافة وبدعم المؤسسات الأهلية للنشاط العلمي والبحثي، لكنني سأكون أنانياً إن لم أذكر أرامكو بأن المجتمع العريض، مجتمع المنطقة الشرقية الذي دعم مشاريعها وتحمل أضرار منتجاتها البترولية واستحواذها على بعض أراضيه ينتظر من الشركة العملاقة أن تعود لسابق عهدها، فتحول مشاريعها الاجتماعية نحو تطوير البنى التحتية للقطاع الصحي والتعليمي والسكني والاجتماعي بالمنطقة. أذكر أرامكو بأن المسؤولية الاجتماعية الحقة ليست فقط تلك التي تجلب الدعاية الإعلامية والبرستيج النخبوي للشركة، بل تلك التي تلامس هموم المجتمع المحلي الحقيقية وتسهم في حلها وتطويرها.
وأذكر أرامكو بأن الناس في المدن الأخرى التي دخلتها في وقت متأخر - جازان على سبيل المثال- كانوا فرحين بأن أرامكو ستفعل في مناطقهم بعض ماكانت تقوم به في بداياتها بالمنطقة الشرقية، لكنهم مع الوقت لم يلحظوا ذلك وأصبحوا يتندرون بالسؤال؛ أين هي أرامكو التي كنا نسمع عنها وننتظرها بفارغ الصبر؟
كل ما نطلبه من أرامكو أن تعيد بعض سيرتها القديمة في خدمة المجتمع وتضيف عليها، لا أن تتخلى عنها لتتحول إلى مؤسسة نخبوية انتقائية في مشاريعها المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع... نشكرها على توجهاتها الحديثة في خدمة المجتمع، لكننا نذكرها بأن الأولى بمبادراتها هو مجتمعها المحلي البسيط، في المناطق التي تعمل بها.