لكل مجتمع قيمه وعاداته وتقاليده، وله أعرافه ونظمه التي تنظم الممارسات في الحياة الاجتماعية وتضبطها، فما هو مألوف في مجتمع ما يعد نشازاً في مجتمع آخر، وما هو مقبول متقبل في مجتمع يعد مرفوضاً في مجتمع آخر، وهكذا هي السنن الاجتماعية تختلف من مجتمع لآخر، تحكمها أعراف وأطر ثقافية واجتماعية، وهي طالما أنها بهذه الصفة فلا خوف منها ولا بأس بها، لكن الممارسات التي تم تنظيمها وضبطها بشرائع وضوابط شرعية لا يجوز الاجتهاد فيها والخروج عليها مهما كانت المسوغات والتطلعات.
الرجال لهم أعمال يمارسونها تتوافق مع خصائصهم الجسدية، ولهم أدوار في الحياة يمارسونها تتوافق مع قدراتهم العقلية، وخصائصهم النفسية، ولهم مهمات لا يمكن أن يقوم بها غيرهم يجب أن يقوموا بها بحكم القوامة والقدرة.
والنساء لهن أعمال يمارسنها تتوافق مع خصائصهن الجسدية، ولهن أدوار يمارسنها في الحياة تتوافق مع قدراتهن العقلية، وخصائصهن النفسية، ولهن مهمات لا يمكن أن يقوم بها غيرهن يجب أن يقمن بها بحكم الأمومة وخصوصية الاقتدار.
فالمعلوم أن الأعمال والأدوار التي يمارسها كل من الرجال والنساء ذات مراجع ثقافية واجتماعية وشرعية، تعارفت المجتمعات عليها وتقبلتها، تم توزيعها بينهم بحكمة وعدل، فكل يعمر الأرض ويسعى في مناكبها، يمارس أدواره برضا تام وإتقان، لا ينظر لأدوار الآخر ولا يتطلع لها.
لكن عندما تتداخل الأعمال والأدوار، ويقوم أحد الطرفين بمهمات الآخر أو بعضها، أو أن يحمل أحدهما أكثر وأكبر من طاقته، وأخص النساء، فإن ذلك مدعاة إلى اضطراب البنية المجتمعية واختلال أدوارها، وارتباك الأسرة وتوترها، لاسيما إذا كان القصد زيادة مصادر الدخل على حساب المرأة حيث تحمل فوق أعباء مهماتها المنزلية المعروفة وتنشئة الأبناء ورعايتهم وتربيتهم في سني أعمارهم الأولى، تحمل أعباء الوظيفة ومتاعبها الجسدية والنفسية، خصوصاً إذا علمنا أن جل الأسر لا توفر لربة المنزل من يقوم بأعمالها المنزلية نيابة عنها بالصفة التي تجعل لديها فسحة من الوقت للراحة والإشراف العام على شؤون المنزل ورعاية الأسرة.
لقد خلصت كثير من تجارب الأمم والمجتمعات إلى نتائج فيها من الاعتبار والعبر ما يغني عن تكرارها، والوقوع في أخطائها، ففي المجتمعات الغربية أدركت المرأة بعد أن تقدم بها السن حجم المأساة ومرارة الوحدة ووحشتها، فقد تخلت عن أدوارها الرئيسة إلى أدوار ثانوية، فقدت بسببها تعاطف الأبناء ودفء المشاعر، فلا جليس ولا أنيس، مما جعلها تبدد وحشة الوحدة داخل البيت وخارجه، باقتناء كلب عله يزيل عنها رهبة الوحدة، بعد أن خسرت الأسرة وما تمثله في بنيتها من فضائل وقيم.
وفي كثير من الدول تشكو المرأة التي حملت أعباء فوق طاقتها من ويلات العمل ومتاعبه، تقول إحداهن شارحة معاناتها وأخواتها العاملات: مع إشراقة كل صباح، تستخدم الواحدة منا ما لا يقل عن ثلاث محطات حافلات نقل حتى تصل إلى مقر عملها، وفي العودة إلى المنزل تتكرر المعاناة نفسها، وفي كل حافلة نواجه من المتاعب النفسية والمضايقات والتحرشات ما لا يمكن تصوره أو تحمله، تعود الواحدة منا منهكة متعبة، وعليها أن تقوم بواجباتها المنزلية من رعاية الأطفال والطبخ والكنس والغسل، وإلا عدت مقصرة مهملة مخلة بواجباتها الأسرية.
فهل بعد هذا الظلم ظلم؟ إن لسان حال جل العاملات يردد، دعونا في منازلنا ورواتبنا أعطوها الرجال، بهذا نحفظ كرامتنا، ونخفف الزحام على حافلات النقل، ونرعى شؤون أسرنا تربية وتنشئة، وأداء مهماتنا على أكمل وجه وأتمه.
مطلب عادل، فهل من معتبر؟