وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ثقته في كوكبة مختارة بعناية من أبناء البلاد؛ فأصدر تعديلاً وزارياً شمل ثماني وزارات يتماس معظمها مع حياة المواطنين بصفة مباشرة، وقد أنهى التشكيل الأخير ظاهرة «وزير بوزارتين» فلا وزارة لدينا الآن تدار بالإنابة، ومن هنا تكبر مسؤولية الوزير المعيّن وتتعاظم وتكبر معها أيضاً الآمال المتوقعة والطموحات المنتظرة التي يتعيّن عليه تحقيقها؛ إبراء للذمة، وتنفيذاً لرغبات الملك في تحقيق إصلاحات وإنجازات سريعة، وحلاً لمشكلات وقضايا مزمنة ينتظرها المواطنون ويعلقون الآمال الكبيرة على توثب وزراء يتوقدون حماسة واندفاعاً إلى العمل والإنجاز ويتمتعون بروح الشباب الوثّابة.
أتى بعض الوزراء السابقين إلى وزارته، ولديه تصور أن كل من يعمل في الوزارة سابقاً ليس لديه إمكانيات ولا قدرات على العمل؛ فيحيد أو يبعد أو يعزل ويهمّش الموظفين السابقين أو جلهم؛ ويأتي بمن يعتقد أنه كفء لمعرفته به أو ثقته فيه؛ يأتي به أو بهم ويُوكل إليهم مسؤوليات ضخمة على مستوى وكالة الوزارة أو المدير العام ويمنحهم صلاحيات واسعة؛ على الرغم من عدم وجود أية خبرات سابقة عن عمل الوزارة ولا إنجازاتها السابقة ولا العاملين فيها وما قدموا؛ ويبدأ فريق العمل الجديد الذي أتى به الوزير الجديد في العمل وكأنه يسير في دروب متفرقة متشعبة في ليلة ظلماء مدلهمة لا يستطيع أن يتبين فيها طريقه وليس بين يديه ما يمكن أن يستدل به على معرفة المسالك المؤدية إلى الإنجاز والعطاء السليم؛ لانعدام الخبرة والمعلومات والمعرفة بتفاصيل عمل الوزارة القديم والحديث ومنجزاتها السابقة وأخطائها وقصور العاملين فيها وكفاءتهم وقدراتهم وإمكاناتهم الجيدة أو ضعفهم وسلبيتهم.
ومن واقع خبرات في العمل الحكومي تنيف على خمسة وثلاثين عاماً، ومن واقع ما رأيته بأم عيني حين تم تغيير وزير بوزير وما تبعه من عملية تغيير متسرعة منطلقة من تصور خاطئ وقصور في المعلومات الصحيحة عن الوزارة والعاملين فيها؛ أرى أن مما يحسن الأخذ به عند إرادة الوزير الجديد إجراء التغيير المطلوب في وزارته ألا يضع في مخيلته ذلك الوهم القديم الساكن في رؤوس كثيرة بأن كل وزارة يتم تغيير وزيرها تعاني من تردي جميع العاملين فيها؛ فهذا التصور غير دقيق ولا منصف؛ ففي هؤلاء من يمتاز بالإخلاص والخبرة والإتقان؛ فيجب المحافظة عليه، وفيهم من هو نقيض ذلك فلا بد من إجراء عملية إحلال وإبدال.
أرى أن يحافظ الوزير الجديد على من لديهم الخبرة والكفاءة والتميز، وأن ينظر بأناة وإنصاف إلى الأسباب التي حالت دون اندفاع بعضهم إلى التجويد في أعمالهم؛ إما بسبب الإحباط لعدم إنصافهم وتقديرهم، أو لتفشي ظاهرة المحسوبية أو المناطقية أو العائلية أو التوصيات الخاصة في الترقيات والتعيينات داخل الوزارة في عهدها القديم؛ فتراجع أداء بعض الموظفين ليس لانعدام القدرة على العمل والتميز فيهم؛ بل لتلك الأسباب أو بعضها، مما يشعرهم بالإحباط واليأس؛ لعدم تقدير إنجازاتهم وإخلاصهم في المسؤوليات والأعمال التي أُوكلت إليهم.
وفي المقابل أرى أن يتم إجراء عملية «تطهير» شاملة لمن تأكد للوزير الجديد فسادهم بأية صورة من الصور؛ سواء كان ذلك في هيئة عدم أمانة على المال العام، أو تصرف فيه بطرق ملتوية لتحقيق مكاسب ذاتية، أو بعدهم عن العدالة في سلوكهم مع موظفيهم واستجابتهم لنوازع عائلية أو مناطقية أو تكسُّباً بمواقعهم الوظيفية من خلال الاستجابة لتوصيات ممن ترجى فائدة معنوية أو مادية منهم.
تطهير أية وزارة من الفساد الموجود والفاسدين هدف أسمى سعى له التغيير الملكي، وهو البوابة الأولى للإنجاز، والمحافظة أيضاً على المخلصين المنجزين وإطلاق العنان لهم ليبدعوا هدف سام آخر!