ودعت قبيلة عتيبة يوم الجمعة الفائت الشيخ غازي بن حميان الحمراني الثبيتي -رحمه الله - وسط حشد كبير شهدوا نهاية آخر حكايات الكرم العظيمة، كما شهدت - قبلها - قبيلة طيء نهاية ملاحم الكرم عند حاتم الطائي.
في حفر الباطن كانت آخر أنفاس رجل كريم جعل من بيته (ملفى) لجماعته، وموئلاً لهم، لا يصده عن الترحيب بالضيف مرض ولا عوز ولا إرهاق، يفتح بابه من بعد صلاة الفجر، ناره لا تنطفئ، يستقبلك متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله.
لا يملك غازي بن حيمان - رحمه الله - من حطام الدنيا شيئاً، ومع ذلك فاق بكرمه كل وصف، وعجز أصحاب الملايين أن يجاروه في ذلك، وهنا يكون صدق الكرم، عندما تضحي بكل ما تملك من أجل أن تقوم بواجب (الضيفان) على أكمل وجه.
أنفق من وقته الكثير لقضاء حوائج ربعه وأصدقائه وأهل بيته، جاب طرق المملكة والكويت إما استجابة لمناسبة أو إصلاح ذات البين أو تقديم عزاء، جواله لا يصمت، يستقبل هذا ويرد على ذاك ويمازح آخر، عمل على تلاحم أبناء عمومته وبذل في ذلك الشيء الكثير.
أكثر من خمسين سنة قضاها أبو حميان في كرم حاتمي، كسلوك تلقائي لا يتكلّف ولا يتصنّع ولا ينتقي، الكرم للكل ومع الكل وبالكل، الكرم جِبلٌة ولد بها، لا يستقبل أحداً من أجل مصلحة، ولا يمنع أحداً لأنه يكرهه، بيته مفتوح للجميع فهو ينظر - رحمه الله- على أن الكرم أكبر من أي قيمة أخرى حتى المال.
لقد أنفق أبو حميان من ممتلكاته الشيء الكثير، وأجل طموحاته، بقي في فلته الصغيرة في حفر الباطن، وبجوارها بيت الشعر، ذلك المكان الذي يحكي أروع قصص اليد الندية كأن الشاعر جرير قال فيه (وأندى العالمين بطون راحٍ).
لم يفكر أبو حميان في مطامع دنيوية لأن إكرام الضيف أغناه عنها، ففي الكرم حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة، لم تلهه الكراسي، فهو يعرف أنها زائلة، ترك الصراعات جانباً، ويمم وجهه قبالة ربه يعبده آناء الليل وآناء النهار.
مات فجراً بين أبناء بارين به قاموا على خدمته، حتى لفظ أنفاسه الطاهرة، تبعتها دعوات الأهل والأقارب والأصدقاء بالرحمة والمغفرة لرجل ترك فراغاً كبيراً في محيطه، وعزاؤنا أن الموت سنة كونية ليس لنا فيها إلا الرضا والقبول والدعاء بالمغفرة.