التراجع المستمر والحاد في أسعار النفط الخام منذ قرار أوبك التخلي عن القيام بدورها التقليدي الذي تتحمّل بموجبه مسئولة تحقيق توازن العرض والطلب في السوق النفطية، يُؤكد أن أوبك أخطأت التقدير وبالغت كثيراً في ردة فعلها تجاه نمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، وما لم تقم سريعاً بمراجعة إستراتيجيتها فإن أسعار النفط مرشحة لمزيد من التدهور.
ويمكن إيجاز أهم جوانب الخلل في الإستراتيجية الحالية لأوبك في التالي:
1 - أخطأت أوبك في ظنها أنه يمكن ترك السوق النفطية لقوى العرض والطلب، فهذه السوق طوال تاريخها لم تكن سوقاً تنافسية، وفي الأوقات التي تكون كذلك تتعرض أسعار النفط لتراجع حاد يلحق بالغ الضرر بالمنتجين. فمع تراجع الأسعار تتدنى إيرادات الدول المنتجة ما يجعلها غير قادرة على توفير التمويل اللازم لإنفاقها الحكومي، كما تستغل الدول المستهلكة هذا التراجع في فرض مزيد من الضرائب على استهلاك النفط ما يضر بمصالح الدول المنتجة على مدى أطول من مجرد الفترة التي تتراجع فيها الأسعار.
2 - إن أوبك بالغت في التخوف من تأثير النمو في النفط الصخري على حصصها الإنتاجية.. فإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة لا يتعدى الآن حوالي 3.5 مليون برميل يومياً وأقصى ما يُتوقع أن يصل إليه هذا الإنتاج هو 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، أي حوالي 5% من إجمالي الطلب العالمي على النفط في ذلك العام.. من ثم فإنتاج النفط الصخري لا يمكن أن يشكّل تهديداً خطيراً لحصة أوبك السوقية وستكون مطالبة على الأرجح بزيادة إنتاجها لتلبية النمو الإضافي في الطلب على النفط مستقبلاً، حتى في ظل هذا النمو في إنتاج النفط الصخري.
3 - إن الاعتقاد بأن منتجي النفط الصخري في ظل تكلفة إنتاجه المرتفعة مقارنة بتكلفة إنتاج النفط في دول أوبك يجعل منتجي النفط الصخري في موقف أضعف أمام أوبك يأخذ في الاعتبار تكلفة الإنتاج فقط ويتجاهل عاملاً آخر في غاية الأهمية ألا وهو الحد الأدنى للعائد المقبول.. فاعتماد دول أوبك على عوائدها النفطية في تمويل إنفاقها الحكومي يجعلها بحاجة إلى عائد يبلغ عدة أضعاف تكلفة الإنتاج، أما بالنسبة لمنتجي النفط الصخري فإن عائداً قد لا يتجاوز 15% يمثّل عائداً مقبولاً على استثماراتهم.. ومن ثم فإن الحد الأدنى لسعر النفط المقبول بالنسبة لدول أوبك قد يكون حتى أعلى من ذلك المقبول بالنسبة لمنتجي النفط الصخري، أي أن منتجي النفط الصخري قد يكونون أقدر على التعايش مع مستوى أدنى من الأسعار رغم الميزة النسبية التي تتمتع بها دول أوبك من حيث تكلفة الإنتاج.
ومن ثم فإن إستراتيجية أوبك الحالية غير مبررة، فهي لا تخدم مصلحة دولها في المديين القصير والطويل، ومبنية على ردة فعل مبالغ فيها تجاه تزايد إنتاج النفط الصخري، والمنظمة قد تكون بالغت كثيراً في تقدير قوة أوراق المناورة التي تمتلكها.. وعلى أوبك تدارك هذا الأمر سريعاً من خلال تخفيض إنتاجها بما يسمح بسحب فائض العرض من السوق، وهو تخفيض قد لا يزيد كثيراً عن مليون برميل يومياً، مع التواصل مع المنتجين خارج أوبك لضمان قيامهم بتخفيض إنتاجهم أيضاً، فهم على الأرجح أكثر استعداداً الآن لذلك مقارنة بأي وقت مضى في ظل هذا التراجع الحاد في الأسعار، وأي تأخر في اتخاذ مثل هذا القرار سيعني فقط مزيداً من التدهور في أسعار النفط لا أكثر.