يتابع صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، وفق ما نشرته صحيفة الجزيرة نتائج تقارير وسير أعمال اللجان المشكلة للتحضير والاستعداد لمهرجان سوق عكاظ الثقافي.
يحظى سوق عكاظ باهتمام القيادة الرشيدة اليوم، وما يمكن أن يمثله السوق للحركة الثقافية والأدبية في السعودية. وتأتي أهمية سوق عكاظ اليوم من كونه ملتقى شعرياً وفنياً وتاريخياً فريداً من نوعه، يقصده المثقفون والمهتمون بشؤون الأدب والثقافة، آنسين بالعروض الشعبية الأصيلة، ومنصتين إلى الكلمة الشاعرية، ومستمتعين بالقيمة المعرفية والثقافية التي يقدمها السوق من خلال ندواته ومحاضراته وفعالياته.
وتتنوع الأنشطة في سوق عكاظ لتقدم للزائر مهرجاناً ثرياً في محتواه، يعيد تأصيل القيم الأخلاقية والتاريخية والثقافية لدى العرب، باتصاله بسوق عكاظ التاريخي الذي مثّل هذا الدور لدى العرب وقبائلهم. كما يعيد سوق عكاظ إلى الأذهان أمجاد العرب وتراثهم الأصيل، ويستعرض ما حفظه ديوان العرب من عيون الشعر ومعلقاته.
ويقدم في كل مهرجان احتفالاً واحتفاءً بأحد شعراء المعلقات ليؤكد اتصال التراث بالحاضر، وتجدد المحافظة على الماضي وما حفل به من تاريخ وأحداث وأمجاد. وبالإضافة إلى ذلك، يشكل سوق عكاظ اليوم معلماً سياحياً فريداً في المملكة العربية السعودية، ورافداً مهماً من روافد السياحة.
ويقام السوق اليوم في ذات المكان الذي يقع فيه سوق عكاظ التاريخي، ويقصده اليوم الكثير من السائحين لمشاهدة السوق كمعلم تاريخي ضارب في جذور الماضي، مع جغرافية المكان وقيمته التاريخية الأصيلة التي تم تحديدها بعد دراسة الآثار المتاحة وتحديد الأودية والجبال وفق الوثائق المدروسة بعناية ودقة وكفاءة علمية.
ولقد أحيا سوق عكاظ الأدب وأحيا الشعر وعرف الجيل الحالي على ما كان عليه الآباء والأجداد.. أعاد إليهم الموروث الأدبي والشعري وخاصة الشعر العربي الفصيح ومثل لهم دور شخصيات وجدت قديما وربما نسيها البعض أو لم تنقل أبياتها أو معلقاتها إلى الجيل الحالي. وإن العرب كانوا يتحدثون اللغة العربية الفصحى، وهذا دليل أن الأمة العربية لها أصالة وخاصة أهل الجزيرة الذين هم أناس لا تستطيع إخراجهم من ثوبهم.
وسوق عكاظ مهرجان ثقافي وأدبي عربي قديم، وهو بدلالاته في ذاكرتنا الثقافية العربية يقودنا للمعلقات السبع وكل الآثار الأدبية العتيقة والجميلة، ويحمد للمملكة العربية السعودية إعلاءها من شأن الدور الوظيفي للثقافة والتراث العربيين، كما يحمد لقيادتها الرشيدة وعيها بدور المهرجانات الثقافية وبالذات دور الأدب في تجسير الروابط الشعبية وتعميق العلاقات البينية والوجدانية، فالثقافة هي التي توفر لنا الأسباب الذاتية لبناء إرادة جمعية تتعاطى بفعالية وإيجابية مع تحولات العالم وتطوراته.
ومهما يكن فإن لسوق عكاظ دلالات مكانية وزمانية مهمة، إذ يحوز على رصيد مدهش في الوجدان العربي، فما إن يذكر سوق عكاظ حتى تستعيد الذاكرة المطارحات الشعرية والمعارك البيانية والمساجلات البلاغية، وهو اليوم في ثوبه الجديد يقوم بوظيفته تلك مع تسويق الإنتاج الأدبي للأمة العربية ليجلي غبار تلك السنين ويشكّل قوة توحيد ثقافية هائلة لأمتنا العربية.إ
إن التراث هو الذي يبهجنا ويسمو بالهوية إلى الانتماء، ويضيء التاريخ المجيد، وهو التدرج لقانون العصر الحديث المتصل بالماضي والمعتمد على جهود الأوائل من الأقوام العربية قبل الإسلام وبعده.
كما قدمت هذه السوق نماذج مميزة من التراث العظيم والشعر والبلاغة ومعلقات من أجود ما وصل إليه الشعر العربي لعباقرة الشعر وفنار الأدب، وهذه الأسماء الكبيرة تدون في مفكرة التاريخ وحاضرة في عصرنا بغاياتها ومعلقاتها رغم غيابها.
في مهرجان سوق عكاظ حضرت نفائس وجواهر صاغها شعراء أسماؤهم ممالك من الأدب والبلاغة والفصاحة، عنترة بن شداد: اشتهر بالفروسية والغزل والحماسة في شعره، لكن هذا البطل الذي ملأت سيرته أذهان الكبار والصغار، قدمه مسرح السوق المطوق بقيود المجتمع، مجردا بلا حماسة وبدون عبلة التي ألهبت شاعريته وفروسيته.
وبوسعنا القول إن سوق عكاظ ذاكرتنا الثرية بمحتوياتها لقرون طويلة، وثم تفاصيل كثيرة وشواهد للتاريخ، منها ما اندثر ومنها ما عاد إلى الحياة بعد قرون من الموت في هذه السوق العائدة إلى الحياة، في الطائف، إحدى أقدم مدن العالم، المدينة الحبلى بمآثر التاريخ، التي تتربع على سلسلة جبال السروات، لا تصدح صخورها إلا ذكرى، وترشد طرقاتها إلى المناطق الدينية بمكة والمدينة، يُعرف أهلها بشعرهم، كيف لا وهم من غرفوا طعام حروفهم ووزن قصائدهم من أرض «سوق عكاظ».
ومما يؤثر من الذاكرة القريبة لهذه السوق مقولة الأمير خالد الفيصل: «لا يعتلي صخرة بن ساعدة إلا مغامر، ولا يقف في خيمة النابغة إلا فطاحل الشعراء، فكيف ينجو من همزات المكان ولمزاته، ومن نقد الزمان وانتقاداته، حيث هنا، أصبح للحكمة كلام، ومن هنا صار للقوافي مقام، إنه عكاظ، معرض الفكر وتغريدة اللسان، وبديع الشعر وسحر البيان» وأضاف الفيصل في كلمته المنبرية قوله: «إيه عكاظ، هل جحدناك فجحدتنا، أم أضعناك فوجدتنا، أم إن الفذ عبدُالله بن عبدالعزيز استعادك فأتحفتنا».
قال الفيصل يومها في لقاء بالإعلاميين حضرته «العرب» إن سوق عكاظ مناسبة لتبادل الفكر والثقافة والحوار، وأضاف الأمير أن هدفهم في عكاظ أن لا يكون السوق معرضا أثريا بل يعملون على «أن يقدموا من خلاله حاضر المملكة ومستقبلها بالتشارك مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص اللذين سيسهمان في السنوات المقبل في فتح نافذة على المستقبل ليرى المواطن السعودي مستقبل وطنه والعالم».
ويتوقع أن تكون السوق خلال سنوات مقبلة في مستوى مدينة سياحية بخدمات متكاملة، ذلك الأمر أثبت تخطيطا جديدا تسعى له الطائف، في استعادة مكانتها السابقة.
لجين منور - الطائف