يحظى معلم اللغات الأجنبية في العصر الحالي بأهمية كبيرة وعناية حسنة، إدراكًا للدور الكبير الذي يقوم به في سبيل نقل الثقافات، والتواصل بين الشعوب والحضارات، ولهذا تركز الاتجاهات الحديثة في هذا الميدان على ضرورة إعداد المعلمين العاملين في هذا الحقل، وتدعو ملياً إلى الاهتمام بتدريبهم وتأهيلهم، فهو يحتل مكان الصدارة بين العوامل الأخرى التي يتوقف عليها نجاح العلمية التعليمية برمتها، ذلك أن الكتب والوسائل التعليمية -رغم أهميتها- عوامل جامدة، بينما يبعث فيها المعلم المتميز النشاط والحيوية، كما أنه يعطيها قيمتها، ويبرز أثرها.
ومن هذا المنطلق، وحرصًا على متابعة المستجدات في الأساليب والطرائق الحديثة في ميدان تعليم اللغات الأجنبية الذي يعد من أسرع الميادين تطورًا ونموًا، كان من المهم عقد الدورات الموجهة نحو معلمي اللغات، وخصوصاً أن تعليم اللغة العربية بلغات أخرى -حالياً- يحتل مكانة مهمة لدى كثير من المهتمين باللغة العربية.
غير أنه من الملحوظ أن الاهتمام -إلى الآن- يكاد يكون منصبًا على إعداد سلاسل تعليمية لمتعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، مصحوبة بالوسائل التعليمية والإثرائية المساعدة. وللأسف لم يلتفت إلى رفع كفاءة معلم اللغة العربية وتحسين أدائه التعليمي، رغم أنه لا يمكن لأي سلسلة تعليمية -مهما كانت جودتها- أن تحقق أهدافها إلا بمعلم متميز يفهم طبيعة اللغة، ويعي فلسفة تعلمها وتعليمها، ويدرك وسائل اكتسابها.
كما أن هناك قصوراً واضحًا في أداء غير قليل من المعلمين الذين يُدرّسون اللغة العربية لغير الناطقين بها، بل إن كثيرًا منهم ليسوا من المتخصصين في تعليمها، كما أن السواد الأعظم منهم لم يحضروا دورات تدريبية سابقة تؤهلهم لتدريسها.
من هنا وهناك، تبرز الحاجة الماسة إلى حضور المعلم أو المعلمة دون تأخر دورات تأهيلية وأخرى تدريبية نوعية في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، بهدف إكساب المعلمين والمعلمات المهارات المهنية اللازمة لتدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى في ضوء مهارات التعلم الذاتي التي تنقل محور اهتمام العملية التعليمية من المادة إلى المتعلم نفسه، واستلهاماً من أن المتعلم أو المتعلمة يمضي ساعات قليلة يومية في قاعات التدريس بينما يقضي جل وقته مع نفسه وفي سكنه، ولذلك يجب استثمار هذا الوقت لسرعة اكتسابه للغة العربية؛ من هنا تتأكد الدعوة بضرورة تدريب المعلم أو المعلمة على الأساليب الناجعة في استراتيجيات تعلم اللغات واكتسابها وبالذات أساليب التعلم الذاتي.
وأخيراً أحب أن أؤكد على أنه قد حان الوقت لمعلمي اللغة أن يراجعوا انحيازاتهم النظرية في فهمهم لمفهوم اللغة، وأن يتذكروا أن هناك وجوهاً متعددة للحقيقة؛ فلربما ساعدهم ذلك على استيعاب وجهات النظر الأخرى، ودمجها في رؤية تكاملية مع ما يرون أنه الجانب الأهم من اللغة ليسهل عليهم إثر ذلك انتقاء الطريقة المناسبة لتعليم اللغة لطلابهم.
صالح بن حمد السحيباني - الأستاذ المشارك في علم اللغة التطبيقي بمعهد تعليم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.. مدرب معتمد لمعلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها - الملحق الثقافي في الإمارات