) وصلنا إلى العاصمة القطرية (الدوحة)؛ صحبة سمو ولي العهد (الأمير سلمان بن عبد العزيز) رعاه الله مساء الاثنين. وصبيحة الثلاثاء الذي تعقد فيه القمة الخليجية (الخامسة والثلاثون)؛ نظرت من شرفة سكني في الفندق المطل على مياه الخليج (الهادئ)،
فاستهواني منظر الشاطئ الجميل، واستفزتني (بانورامية الكورنيش) المنظم والمنسق والممتع على حافته، فخرجت أجوسه على قدمي قرابة ساعة كاملة، أمتع عيني بهذه المناظر الطبيعية الخلابة، وأروي عطش (الكاميرا) في أخذ الصور لمشاهد حولي جذابة.
) وجدت نفسي أقف صدفة إلى جوار رجل قطري طاعن في السن؛ يتخذ مقعده على الأرائك الإسمنتية والحديدية التي تنتظم (الكورنيش) قبالة البحر، ومن حولها حدائق وزهور ومرافق خدمية كثيرة في جوار القرية العالمية. سلمت عليه فرد السلام، ورحّب بلكنة أهلنا في الخليج التي تشعرك بالحميمية. قلت فيما بعد: هناك في الفندق المقابل يا عم؛ يلتقي قادتنا ظهر اليوم، ماذا تظنهم يفعلون من أجلنا..؟ قال: (هذولا يا ابني حسبة أهل، إخوان في بيت واحد من بيوتهم، ولقاهم كله خير وبركة).
) اكتفيت بهذا الجواب من هذا الشيخ الذي اختزل ما يود قوله كل قطري هذه الساعة ولا شك، وهو شعور نبيل وجدناه عند كل الذين التقينا بهم من المطار إلى الفندق، ثم في سوق واقف الشهير، وفي كل مكان إلى المطار مرة أخرى. جواب الشيخ القطري أشعرني بدفء خاص، وبعث في نفسي الأمل؛ في أن تكون قمة الدوحة محطة جديدة للانفراج وتجاوز نقاط التشكيك وليس التفتيش، فالخليجي الذي يدخل دولة خليجية أخرى يشعر أنه لم يغادر بلده، وإنما هو يتنقل بين مدن بلده، وهذا في حد ذاته إنجاز آخر لمجلس التعاون الخليجي الذي نتطلع إلى أن يحقق لنا المزيد من الإنجازات على كافة الصُّعد.
) في طريق عودتي للفندق؛ شاهدت معالم الانتفاضة التنموية التي تعيشها قطر اليوم، وهي ظاهرة للعيان في عشرات الأبراج السكنية والمرافق الخدمية والشوارع والميادين وخلافها. لا شك أن قطر تستعد لحدث عالمي كبير هو (أولمبياد 2022م)، لكن المهم أن (الأولمبياد) غير باق؛ بينما النهضة العمرانية باقية لشعب قطر الشقيق. حاولت أن أعقد مقارنة أو مقاربة بين مشاهدتي للدوحة عام 1974م؛ ومشاهدتي لها هذا العام 2014م، فارتد إليّ بصري وهو غير حسير.
) من يقرأ قرارات قمة الدوحة في اليوم التاسع من هذا الشهر، سوف يجد أنها نتاج طبيعي للتشاور الأخوي الذي احتضنته الرياض قبلها برعاية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، حيث تجاوز القادة في الرياض حواجز الخلافات غير الطبيعية، فوصلوا إلى الدوحة ليصيغوا في فهم وعمق؛ رؤاهم المشتركة حول ما يواجه دول الخليج والمنطقة من تحديات كبرى، ليس من سبيل لمواجهتها وردها؛ سوى عصي ذي الأصبع العدواني التي تأبى التكسر إذا اجتمعت واتحدت.
) كان سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، على رأس وفد المملكة الكبير الذي جاء إلى الدوحة محملاً بالحب والسلام وود الأخ لأخيه، وهو ربان نجاح لهذه القمة منذ بدايات التشاور لها، وهكذا سمعنا ورأينا ما دار من كلمات وحوارات في ختام القمة التي جسدت روح التواد والتضامن بين قادة وشعوب دول الخليج العربية كافة. وجاء البيان الختامي مؤكداً روح التعاون الذي هو شعار المجلس منذ أن تأسس، فاتفاق القادة على إنشاء (انتربول) خليجي، وكذلك قوة بحرية مشتركة إلى جانب درع الجزيرة المنشأ من قبل، يمثل خطوات جادة وصريحة في الطريق إلى (الاتحاد الخليجي) الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين من قبل، وتعمل دول الخليج العربية على التأهيل من أجله، وبناء بنى نظامية وإجرائية لإعلانه في المستقبل القريب إن شاء الله.
) ما لفت نظري في قرارات القمة هذه؛ أنها اتخذت مجتمعة- ومن دوحة قطر بالذات- موقفاً موحداً لدعم الدولة المصرية برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي، وضد الإرهاب ومنظماته الإرهابية، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين التي تعيث في منطقتنا فساداً منذ زمن طويل، وهذا يعني أن قطر تلتزم مثل بقية دول الخليج هذه المواقف الشجاعة ضد التحدي الأكبر الذي يهدد أمن دول الخليج، والمتمثل في إرهاب الإخوان والقاعدة وداعش، إلى جانب ما يتهدد دول المجلس من الجانب الإيراني المستفز في أكثر من مكان داخل دول الخليج وفي الدول المحيطة بها، ومنها العراق وسورية واليمن.
) إلى أن تعقد القمة التشاورية القادمة في الرياض، فإن قمة الدوحة أشاعت الكثير من الفرح والاطمئنان في قلوب المحبين، والكثير من الحزن والأسى في قلوب الكارهين، فعلى أقل تقدير، ليس هناك مجال بعد اليوم للتشكيك في المواقف السياسية من الدوحة أو سواها، وأدوات التخريب التي ترتكز هنا وهناك؛ لن يكون مرحباً بها مستقبلاً لا في الدوحة ولا في سواها.. هذا ما نتمناه وما لمسناه من داخل قمة الدوحة الخامسة والثلاثين 2014م.
) من بعد قمة قطر؛ لا خطر إن شاء الله على إخوة متحابين متعاونين، بل قوة على قوة، ونجاح فوق نجاح:
وبلوت أسباب الحياة وقستها
فإذا التَّعاون قوةٌ ونجاح