لقد سئم الفلسطينيون وقيادتهم على السواء من الوعود التي لا تُحترم، والالتزامات التي لا تُنفذ، سبع وستون عاماً على توصية تقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947م، رقم 181 التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسلسلة القرارات الأممية التي أكدت على حق العودة للاجئين وفق القرار 194 للعام 1948م، وعلى حق الشعب الفلسطيني الثابت وغير القابل للتصرف، والمبادرات العديدة التي استندت إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، سواء الأمريكية أو الرباعية أو مبادرة السلام العربية الأولى والثانية، فقد اصطدمت كافة هذه المبادرات والقرارات والوعود والالتزامات، بالرفض وبالصلف والعنت الإسرائيلي من جهة، والمراوغة الدبلوماسية الفجة للدبلوماسية الأمريكية التي تتبنى المواقف الإسرائيلية وتوفر لها الغطاء السياسي والقانوني، من خلال ضمان استبعاد أي دور للأمم المتحدة في إنهاء هذا الصراع وفق القرارات المشار إليها، والتأكيد على الالتزام بمبدأ المفاوضات المباشرة بين الطرفين للتوصل إلى أي اتفاق سلام ينهي الصراع، ما يؤدي إلى استمرار سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها الكيان الصهيوني والقائمة على مبدأ إطالة أمد المفاوضات وتجزئتها ومرحلتها، وبالتالي إفشال الحل القائم على مبدأ الأرض مقابل السلام ومبدأ حل الدولتين، وتجريد الفلسطينيين من كل عناصر القوة الضاغطة على الكيان الصهيوني للإقرار بهذه الحقوق والالتزام والوفاء بها، كل ذلك يأتي تحت ذرائع وأوهام أمنية مصطنعة، تغطي شهوة استمرار الاحتلال والتوسع والاستيطان على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.
اليوم بعد أكثر من عشرين عاماً من انطلاق المفاوضات المباشرة بالرعاية الأمريكية بين الإسرائيليين والفلسطينيين واستنفاذ كافة الوسائل والسبل للوصول إلى اتفاق أو تسوية، تصر الولايات المتحدة ثانية على أن يبقى الفلسطينيون وحقوقهم رهينة للمفاوضات المباشرة العديمة الجدوى مع الإسرائيليين، ولم تدرك الدبلوماسية الأمريكية بعد كل هذا الإخفاق الذي منيت به، ومني به الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، أن صبر الفلسطينيين شعباً وقيادة قد نفد، ولم يبق هناك لديهم متسع من الوقت لإبقائهم وحقوقهم رهينة لهذه السياسات الفاشية التي يمارسها الكيان الصهيوني، وقد رفعت الكثير من الدول الغربية غطاءها السياسي عن سياساته، ولم تعد قادرة على مواصلة إغفالها لحقوق الشعب الفلسطيني لما يمثله ذلك من تهديد لمصالحها والأمن والسلام في المنطقة، فقد توالت الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وكان آخرها اعتراف دولة السويد الذي دق الناقوس بضرورة إنهاء مهزلة المفاوضات المباشرة، وتوالت بعده المواقف البرلمانية للعديد من الدول الأوروبية من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والبرلمان الأوروبي، وتصاعد حملات المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني والاستنكار للسياساته القائمة على التوسع الاستيطاني، ولم يبق من الدول الوازنة والفاعلة سوى الولايات المتحدة تغرد عكس التوجه الدولي القاضي بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعدم إبقاء ذلك رهينة لرغبات وأطماع الكيان الصهيوني. من هنا تأتي الضغوط الهائلة التي تمارسها الدبلوماسية الأمريكية اليوم على العديد من الدول لثنيها عن دعم هذا التوجه المساند للمطالب الفلسطينية، ودعم التوجه الفلسطيني إلى إعادة القضية للأمم المتحدة من خلال عرض مشروع قرار على مجلس الأمن يقضي بتحديد أجل زمني لا يتجاوز سنتين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتوصل إلى اتفاق سلام يترجم قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولم يتورع أخيراً وزير الخارجية الأمريكي عن إبلاغ محاوريه من الفلسطينيين والعرب ووزراء أوروبا من أن الولايات المتحدة سوف تواجه مشروع القرار العربي الفلسطيني المزمع تقديمه لمجلس الأمن بالفيتو في حال حصوله على أغلبية الثلثين في مجلس الأمن، فالدبلوماسية الأمريكية لا زالت مصرة على توفير الحماية للكيان الصهيوني في وجه الشرعية الدولية وتواصل التغريد إلى جانبه، عكس التوجه والتول الحاصل في الموقف الدولي، فإلى متى تستمر منفردة في نهج هذه السياسة المنحازة في إدارة الصراع، بدلاً عن البحث الجاد عن الآليات الواجب إتباعها لتنفيذ الشرعية الدولية وقراراتها للتوصل إلى تسوية تنهي الصراع وتؤدي إلى إقرار حل الدولتين؟!!
ألم تدرك الدبلوماسية الأمريكية بعد أنها بذلك أصبحت هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن إطالة أمد هذا الصراع، ومسؤولة مباشرة عن استمرار هذا الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية وما يترتب عليه من تعطيل إقامة الدولة الفلسطينية، فالمواجهة إذن باتت الآن أمريكية فلسطينية عربية بامتياز...!!! وباتت أمريكا راعية لإرهاب الدولة الصهيونية ...!!!