تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث
وخطها في كتاب يؤنس البصرا
بينما كنت أسرح طرفي في صحيفة الرياض صباح يوم الأربعاء 18-2-1436هـ إذا بصورة الأستاذ الكبير الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله العبد الكريم تتوسط كلمة تأبينه للأستاذ الفاضل علي بن محمد العطاس مدير مكتب جريدة الرياض بمحافظة شقراء فتأثرت كثيراً لذلك النبأ المحزن لما يتمتع به من حِنكة، وخلق كريم، وشاعرية فذة، فهو على جانب كبير من الأدب والتواضع الجم، ولغيابه عن أبنائه وعن أسرته ومحبيه، وعن الساحة الأدبية والشعرية، وهذه سنَّة الله في خلقه: حياة وموت، ثم نشور ليوم الحساب لجميع الخلائق من عباده، وفجأة تَذَكرتُ زيارتي له في منزله الرحب الملاصق لمسجد الحي (حي الورود) بالرياض منذ عقود من الزمن فقام بإكرامي - رحمه الله - وأهدى إلي مجموعة من مؤلفاته الأدبية والشعرية المخطوطة بيمينه بخط جميل يؤنس البصر أثناء تناولنا القهوة في ذلك المجلس الواسع الذي لم يتغيّر ولم يطرأ عليه شيء من عوامل التعرية رغم تقادمه وذلك عند حضوري مساء يوم الأربعاء 18-2-1436هـ معزياً ومواسياً لأبنائه وإخوته وأسرته:
إذا زرت (بيتاً) بعد طول اجتنابه
فقدت صديقي والبلاد كما هيا
فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معاً
كفى بالممات فرقة وتنائيا
ولقد ولد (أبو عبدالمجيد) في شقراء عام 1343هـ، ثم درس في الكتّاب حتى ختم القرآن الكريم، بعد ذلك التحق بأول مدرسة ابتدائية بشقراء التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - بافتتاحها في 1-2-1360هـ وقبل نيله الشهادة الابتدائية 1364هـ عيّن معلماً بها ثم مديراً لها، وفي عام 1374هـ عيّن مشرفاً بمنطقة حائل، وفي عام 1386هـ انتقل إلى ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ثم إلى الديوان الملكي مستشاراً بالمرتبة الخامسة عشرة حتى تقاعد عام 1418هـ حميدة أيامه ولياليه، ثم تفرّغ لشؤونه الخاصة مُستمراً في فتح باب منزلة لاستقبال من يؤمّه من أفراد أسرته وأقربائه ومحبيه من أدباء وأصدقاء..، وقد جرى تكريمه من قِبل أهالي شقراء في شهر ذي القعدة عام 1427هـ في احتفال رائع قدّم فيه الدروع وشهادات التقدير، فهو محل تقدير وحفاوة الجميع، وكان طيّب المعشر حلو الحديث يُجيد إحضار الطّرف والنكات الخفيفة، وإيراد الشواهد الشعرية أثناء تبادل الأحاديث في المجالس والمناسبات، ولديه مخزون رائع من الثقافة الأدبية والاجتماعية، وما يرويه من ملح وطرائف التي يفيض منها على جلسائه ورفاقه.
مع كثرة إهدائهم من كتبه ودواوينه الشعرية متينة الأسلوب سامية المعاني بخطه الجميل الذي يضاهي مطبوعات الكتب مع تشكيل البعض منها.
وهذا يذكّرنا بقول الشاعر الأبيوردي الذي رثى نفسه قبل موته حينما فرغ من كتابة ديوانه ذا الجزأين راجياً ألا ينساه القارئ من الدعاء له وقد أمسى رهين الآجر والحجر في باطن الأرض:
تبلى الأنامل تحت الأرض في جَدثٍ
وخطها في كتاب يؤنس البصرا
كم من كتاب كريم كان كاتبه
قد ألبس الترب والآجرّ والحجرا
يا من إذا نظرت عيناه كِتبتنا
كن بالدعاء لنا والخير مدّكرا
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم ذويه وأبناءه وإخوته وعقيلته، وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان، مُختتماً هذه العجالة بهذا البيت الشهير:
الخط يبقى زماناً بعد كاتبه
وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء