في حوار الجمعة للمثير الزميل عبدالله المديفر مع الدكتور مرزوق بن تنباك «البدوي العصري الحداثي التقليدي» خصام أكاديمي وتناقض وعنوان مثير ومبالغات انطباعية!
«البدو صاروا قبيلة واحدة، ولم يُدعَ أحدٌ منهم منذ توحيد المملكة لتولي منصب تنفيذي في الدولة». هكذا علق الضيف، أو هكذا تحول عنوان الحلقة إلى «قبيلة البدو»..!
لكن اللافت - في نظري - أن الدكتور لم يخبرنا أصلاً من هم «قبيلة البدو» التي جمعها، هل من لا يزالون في البادية؟! أم لا تزال البادية فيهم؟! أم كل منتمٍ لقبيلة؟ أم أن هناك نوعاً محدداً من القبائل؟! أم كل القبائل؟
هل هي مغالطة كبيرة، انطباع خاطئ، رؤية قديمة.. ربما كل ما سبق، لكن أرغب في أن أنشط ذاكرة الدكتور المميز ابن تنباك بأن أكثر التنفيذيين، وبينهم وزراء في الدولة، من القبيلة المشار إليها، حتى وإن تمدنوا، أو تحضروا.. والقيادات الأمنية في الأجهزة، سواء التابعة للدفاع والداخلية، وتقريباً كل القيادات العسكرية بالحرس الوطني، من «قبيلة البدو»!.. إلخ..
وأعرف وتعرفون بدواً من شمال المملكة إلى جنوبها وكلاء وزارات وأعضاء مجلس شورى سابقين وحاليين، وكذلك عدد كبير من التنفيذيين في الدولة وخبراء أيضاً.. إلخ..
التشكيل الوزاري الأخير كسر التوقعات: وزير الصحة من قبيلة البدو - حسب تعبيره - كما أن وزير الإعلام لم يعد من الحجاز بالضرورة. وزير الصحة الجديد القادم من (بدو الجنوب) حل محل وزير من الوسطى. ومن الجنوب قيادات عسكرية وسفراء متميزون. وقد تُفاجَأ بالخلط الكبير في أرامكو بالمنطقة الشرقية من القمة إلى القاعدة، وهكذا! أم أن هناك بدواً آخرين لا يعرف عنهم إلا دكتورنا الجميل؟
بعد هذه المحاولة البسيطة لإعادة الذاكرة للدكتور الفاضل، فقد أبهرني تعليقه «نحن كلنا مواطنون، وأنا أبحث عن الكفاءة، والغرب عرف كيف يصطاد الكفاءة».
وهذا كلام جميل جدًّا. صحيح أن لدينا علة واضحة تتعلق بمشكلة المحسوبية والشللية، التي قد تأتي بالبعض إلى مناصب تنفيذية بإنزال مظلي، لكنها - للأسف - مشكلة لا يمكن فصلها عن منظومة الفساد التي يحاربها بقوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولا علاقة لها بتهميش «قبيلة البدو» المزعومة، بل تهميش الكفاءات إجمالاً، وضحاياها كثر!
إلا أن التناقض اللافت أن مدخل الدكتور في موضوعه هو المواطنة وتساوي الجميع بالحقوق والوجبات، لكنه بالطرح التضخيمي للقبيلة ينسف تماماً طرحه المهم، إلى تقديم جديد للعنصرية والتصنيفات!
القبيلة التي نسمع عنها في القصص، والتي تتمتّع بمليشيات عسكرية، تُعدُّ شيئاً بائداً، ماتت مع الملك عبدالعزيز المؤسس؛ فقد التحق أبناؤها وعناصرها، وانتشروا في أجهزة الدولة الناشئة ومؤسساتها، وصار استقرار الوظيفة بديلاً للترحال، ووجاهة التعليم بدلاً من السيوف والرماح. الدكتور ابن تنباك باحث جميل ولافت، عكس السائد، لكن تركيزه - أو تركيز الحوار - على هذه الجزئية، فيما يجد في بذخ مزايين الإبل وما يحدث من مبالغات أمراً عادياً لا يدعو للقلق أو التنظيم أو حتى التهذيب، يجعلني أسترجع المثل الشهير: «يمكنك أن تُخرج الرجل من القرية، لكن لا يمكن أن تُخرج القرية من الرجل»!