الإعلام والثقافة، قطاعان، مهمّان، ومؤثران على العقول، وبالتالي على المجتمع، تأثيراً، إما إيجاباً، أو سلباً، وزارة الثقافة والإعلام، عبارة عن قطاعين يشتملان على (ينابيع فكرية) عديدة، من المفترض أن تروي ظمأ أفراد المجتمع، بمختلف الشرائح، وتحافظ على سلامة الفكر من الانحرافات، وتكون حائط صد للتيارات الفكرية المنحرفة، وخاصة التي تنال من جناب العقيدة (الإذاعة، التلفزيون، وكالة الأنباء السعودية، الصحافة الورقية، الصحافة الالكترونية، الأندية الأدبية، معرض الكتاب، المكتبات العامة) هذه هي ينابيع، ومنابر الفكر، في هذا المقال، لعلي أغلب جانب الصراحة، تدفعني بذلك الغيرة على (الدين والوطن والمجتمع) باعتبار، أن الإعلام بمجمله، سلاح ذو حدين، إما أن يرفع سقف ثقافة المجتمع، ويرتقي فكره، ويحافظ عليه، أو يهبط بمستوى تفكيره، ويساهم في تسطيحه، لذا لا غرو أن أطلق على عموم وسائل الإعلام والاتصال، وعلى الصحافة على وجه الخصوص، بالسلطة الرابعة لدورها جميعاً في تشكيل العقول، وتوجيه الرأي العام، نحن ندرك دون تردد، أن ثمّة ثوابت لا تقبل المساومة عليها بأي حال من الأحوال، وتحت أي تبرير، وقد تضمنتها (مواد السياسة الإعلامية للمملكة) التي قامت على منهج الدين القويم، ذلكم هي (الدين واللغة والوطن) وإعلام لا يراعي جوانب هذا الثلاثي (الثمين) يعتبر إعلاماً فاشلاً، بكل المقاييس، «الدين» المحافظة على ثوابته «اللغة» المحافظة عليها، في كافة المنابر الإعلامية، وعدم التساهل فيها نطقاً وكتابة «الوطن» تكريس الانتماء إليه، والدفاع عن أسواره، الوزراء، الذين تعاقبوا على حقيبة الإعلام، كل واحد منهم أبلى بلاءً، بقدر ما لديه من إمكانات، وقيادات، هو اختارها بنفسه، أو وجدها حين مجيئه، ثم تركها في مكانها، وبعض هؤلاء الوزراء، قد ترك بصمة له، لكن، وبحكم خدمتي، وخبرتي التي امتدت قرابة «الأربعين» عاماً، في الإعلام أستطيع القول: إن إعلامنا، وللأسف الشديد، ظل يراوح مكانه دون تجديد، أو تطوير يذكر رغم المحاولات، وذلك لأسباب من أهمها، تدوير مسئولية الذين بلغوا من العمر عتياً، يصدق عليهم المثل الشعبي الدارج (الجح يدربي القرع) يُجدّد لهم سنوات، وقد تركوا خلفهم الشباب، يقترب رويداً رويداً، إلى سن التقاعد، حتى قعّدوهم وهم قاعدون، قابعون على كراسيهم، ولسان حال بعض الوزراء، يقول (لا تحرّك تبلش) لذا تلحظ، وكالات الوزارة، كالرجل العجوزمشي على عكاز واحد، لا تريد الثاني، وكالات، تحتاج لدمج، ووكالات مهمّة، وذات علاقة مباشرة بالمثقف ذابت بسبب أوآخر، لكن - والله أعلم- أن هذه الوزارة، بهذه الحالة التي تئن فيها، قد سخّر الله لها من يأخذ بزمامها، ليضخ فيها دماءً جديدة، هذه الوزارة، حظيت بقامة، فكرية عملية، كان لها وزنها، في أماكن حسّاسة، وحيوية، ويكفيها فخراً أنها عملت، بجوار رجل رشيد، وأمين، وقوي، يُعد عملة نادرة في هذا الزمن، أين ما حلّ، حلت معه البركة، الدكتور عبدالعزيز الخضيري، تخرّج من المدرسة (الخالدية الفيصلية) في منطقة عسير، ومن ثم في منطقة مكة المكرمة، التي كان يقودها، الأمير خالد الفيصل، ذاك أعني الدكتور الخضيري، ومع انشغاله في عمله الحكومي الحسّاس، إلا أنه حافظ على إرواء فكره، بما يستقبله، وبما يصدره، ناهيك عن سلامة فكره، من خلال كتاباته في الصحف أو تغريداته، في تويتر، وكذلك توجهه - هكذا أحسبه - ولاغرو في ذلك، فهو سليل أسرة عريقة، معروف عنها، المحافظة، والاستقامة، نستشف ذلك من خلال أفراد الأسرة (الخضيرية) الذين نعرف بعضهم، بسيماهم، وبسيرهم الحسنة، وبتوجهاتهم الفكرية السليمة. قراءتي الأولية للرجل، وهو يستلم حقيبة الثقافة و الإعلام تشي بأنه سيكون شيئاً مذكورا، وأجزم أنه سيكون مغايراً تماماً، لسابقيه، وخاصة أننا نعلم أنه رجل متخصص في التخطيط، وهو ما تفتقده وزارة الثقافة والإعلام (الملخبطة) في هذه المرحلة الساخنة وليسمح لي كل من هو مسئول أو يعمل في الهيئات الإعلامية، باعتبارهم جميعاً، تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، من حيث الإشراف، أو المسئولية المباشرة، أن ألوح بجانبي عليهم، فمثلاً معرض الرياض الدولي للكتاب منذ أن تم انتقاله من وزارة التعليم العالي، إلى وزارة الثقافة والإعلام، لم تمرّ عليه سنة، إلا وقيامته قائمة، مع جماعة ذات توجه واحد، كذلك الحال للأندية الأدبية، منذ انتقالها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام، وهي في (حيص بيص) لم يهدأ لها بال، المكتبات العامة في مدن ومحافظات المملكة، يستحيي الشخص أن يدخلها، فهي بحاجة إلى إعادة أرشفة، وتهيئة لعموم القراء، وقبل ذلك كله، بحاجة لمبان نموذجية، راقية، تجذب القراء، القنوات التلفزيونية، هي الأخرى، تعيش موتاً سريرياً، لافتقادها، من أساسها - قبل أن تكون تحت مظلة هيئة الإذاعة والتلفزيون - لقيادات مؤهلة، بدليل أن بعض قياداتها، كانتمؤهلاتها العلمية، لا تتجاوز، الثانوية العامة، وغير متخصصة، أصلاً في الإعلام الشمولي، وفاقد الشيء لا يعطيه. الوزير، الشاب المنطلق الدكتور الخضيري، أقولها بصراحة، وأمانة - ورزقي على الله - أمامه، ملفات بالغة السخونة، ولا أظنها عصيّة عليه، وهو الإنسان الواعي، المدرك، لأهمية الإعلام، وتأثيره، وخطورته، بالتأكيد، سيستشعر ثقة قيادته الرشيدة التي تؤمّل فيه الخير الكثير، للارتقاء بالإعلام السعودي، والنهوض به من كبوته التي بسببها واجه نقداً لاذعاً استقبلته كافة منابره الإعلامية، إذا ما استثنينا منبر الإذاعة الذي ظل ثابتاً على تميزه، وتفوقه، وحيويته، ردحاً من الزمن، من خلال موجات إذاعاته المتنوعة، سواء كانت إذاعة الرياض، أو إذاعة جدة، أو إذاعة القرآن الكريم، أو إذاعة نداء الإسلام، من خلال برامجها الأثيرية الناجحة. وزارة الثقافة والإعلام، بأمس الحاجة، إلى إعادة صياغتها لتكون عصرية تنافسية تعلن التحدي عموم المثقفين في المملكة، بمختلف تخصصاتهم، وأدبياتهم يتوقون، ويتطلعون في مرحلة الوزير الجديد إلى واقع أفضل، يعدّل مساراتهم، المتنوعة، ويعيد لهم وهج منابرهم، وحراكهم الثقافي، بقي القول: الشأن الثقافي مهم جداً في دولة أشبه بالقارة، تعيش حراكاً ثقافياً، لافتاً، أظنه، يحتاج من (الخضيري) التفاتة تهتم به، وتعيد صياغته من جديد، تبتعد به عن بؤر، الصراعات، والتراشقات التي نشاهدها الآن...ودمتم بخير.