الجزيرة - ماجد العيد:
أجمع اقتصاديون على أهمية البدء الفعلي في تقييم الأداء بغية تحقيق أعلى درجات الكفاءة في الإنفاق على القطاعات التنموية التي حظيت بمخصصات ضخمة في ميزانية الدولة ومنها التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والنقل، مستدركين بأن الحكومة تواجه اليوم تحديات الدخل، وهي تحديات لا يمكن التهاون بها مع تنامي التزاماتها المالية، خصوصاً في النفقات الثابتة ذات العلاقة بالأجور والرواتب التي تشكّل 50 في المائة من الموازنة، الأمر الذي يفرض الدفع نحو خصخصة القطاعات الحكومية ذات الأبعاد الربحية، بهدف الارتقاء بخدماتها حتى يلمسها المواطن.
وقال الاقتصادي فضل البوعينين إن حكومة المملكة استمرت في خطتها التوسعية في الإنفاق العام، برغم المتغيرات الحادة في أسعار النفط، التي فقدت ما يقرب من 50 في المائة من قيمتها حتى الآن.. اعتماد النفقات عند 860 ملياراً يعكس توجه الحكومة في رغبتها الجامحة في استكمال مشروعات البنى التحتية؛ ودعم الاقتصاد؛ وخلق مزيد من الوظائف، وتحقيق نمو إيجابي في القطاعين الحكومي والخاص.. مبيناً أنه من اللافت استئثار التعليم بما نسبته 25 في المائة من الاعتمادات المالية، وهذا يعكس اهتمام الحكومة الاستثنائي في القطاع، إلا أن ما ينبغي الإشارة له هو استئثار بند الرواتب في موازنة التعليم بالجزء الأكبر منه؛ لذا عمدت الحكومة إلى تخصيص موازنات استثنائية لتطوير التعليم؛ وهذا كفيل بتحسين مخرجاته - بإذن الله -.
وأشار البوعينين إلى أن قطاع الصحة كان القطاع الثاني في حجم الإنفاق ثم القطاعات الخدمية الأخرى، وهذا يؤكد أن هدف الإنفاق التوسعي هو استكمال البنى التحتية وتحقيق جودة الخدمات؛ وهو أمر لا يمكن تحقيقه بالاعتمادات المالية فحسب بل يجب أن يقوم الوزراء بدورهم الفاعل في تحويل أرقام الميزانية إلى مشروعات حقيقية على أرض الواقع.. وهذا ما يؤكد عليه خادم الحرمين الشريفين دائماً.. يمثل الوزراء الذراع التنفيذية للحكومة؛ وما لم يقوموا بدورهم المسؤول في ترجمة تطلعات ولي الأمر؛ واستثمار المخصصات المالية الضخمة في الإنجاز؛ فستصبح الاعتمادات المالية أرصدة في الحسابات؛ لا مشروعات قائمة على أرض الواقع.
وأضاف: التعليم هو القاعدة الصلبة التي تُبنى عليها أدوات التنمية الأخرى.. هذا من جانب ومن جانب آخر، أصبح الاقتصاد المعرفي هو المحرك الحقيقي للدول، والمحقق للدخل المرتفع، وهو في حاجة ماسة لمخرجات تعليمية نوعية ذات كفاءة وجودة قادرة على الإبداع والابتكار.. من وجهة نظر خاصة أعتقد أن قطاع التعليم العام يمكن أن يسهم في تحقيق هدف الاقتصاد المعرفي شريطة تطويره وتحسين مخرجاته، وهذا ما يعمل على تحقيقه سمو وزير التربية والتعليم.. لافتاً إلى أن التدريب جزء رئيس من عمليات التعليم؛ التي يفترض ألا تتوقف أبداً؛ وهو أكثر ارتباطاً بالجانب الوظيفي؛ وإن كنت أتمنى أن يكون لدينا تطوير أكبر في قطاع التدريب التقني وأن يكون هناك شراكات أكثر فاعلية مع شركات التقنية العالمية كي نحقق هدف تطوير القوى العاملة؛ وإكسابها المهارات الجيدة الكفيلة بتحسين الأداء ورفع كفاءة القطاعات المختلفة.
وحول أبرز النقاط المطلوبة من الجهات المعنية لتحقيق الأهداف المرجوة من مخصصات الميزانية قال البوعينين إن الحكومة تواجه اليوم تحديات الدخل، وهي تحديات لا يمكن التهاون بها مع تنامي التزامات الحكومة المالية، خصوصاً في النفقات الثابتة ذات العلاقة بالأجور والرواتب والتي تشكّل 50 في المائة من الموازنة، ومن هنا يفترض بالحكومة أن تدفع نحو خصخصة القطاعات الحكومية ذات الأبعاد الربحية؛ وتحويلها من قطاعات مستهلكة للدعم الحكومي، إلى قطاعات منتجة مدرة للدخل.. ومن هنا تتخلص الحكومة من مسؤولية الإنفاق على تلك القطاعات ومسؤولية تحمل أعباء الوظائف، بعد تحويلها إلى القطاع الخاص.. فتحقق أهدافاً كثيرة ومنها خفض نفقاتها المالية؛ رفع الكفاءة التشغيلية لتلك القطاعات، تحسين الخدمات، وتحقيق الربحية.. ومن هذه القطاعات التي يمكن تخصيصها بسهولة: قطاع الطيران، المطارات، الموانئ، المياه، إضافة إلى بعض القطاعات الأخرى التي يمكن التعايش معها مؤقتاً ومن ثم تحويلها إلى القطاع الخاص ومنها الخدمات الصحية والاستغناء عنها بتوفير التأمين الصحي للمواطنين الذي سيخفض من حجم ميزانية الصحة بشكل كبير، ويرفع من كفاءة الخدمات الصحية.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي محمد العنقري إن ما تم اعتماده للإنفاق على الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية هو استمرار لما تم اعتماده منذ عدة سنوات حيث تم التركيز عليها في كل الميزانيات السابقة منذ قرابة العشرة أعوام وذلك بقصد تحسين مستوى المعيشة والرفاء الاجتماعي، فقطاع التعليم استمر بالاستحواذ على 25 بالمائة من تقديرات الإنفاق وحدد لهذا العام عند 217 ملياراً مع أهمية النظر إلى أن هناك ميزانيات إضافية تخص التعليم منها ما تم اعتماده مؤخراً لتطوير التعليم العام عند 80 مليار ريال، ومن الواضح أن هناك تركيزاً على تطوير التجهيزات الأساسية والمباني لرفع مستواها وزيادتها بما يخفض من عدد الطلبة بالفصول إضافة لإدخال التقنية بالتعليم.
وأردف: لكن من المهم البدء برفع مستوى تقييم الأداء وتذليل أي عقبات تقف أمام تحقيق أعلى درجة في كفاءة الإنفاق على التعليم لأن كل الإمكانيات متاحة وهناك عدد ضخم من الجامعات وأصبح هناك فائض بالمقاعد الجامعية في العديد من المناطق، كما أن التركيز على التدريب المهني هو الأهم للمرحلة القادمة حتى يتم توفير احتياجات قطاعات الصناعة والصيانة والتشغيل والاقتصاد عموماً، كما أن تخصيص 160 ملياراً لقطاعات الصحة والاجتماعية مؤشر مهم على رفع مستوى الصحة العامة وكذلك تحسين أوضاع فئات بالمجتمع من حيث رفع الإنفاق عليها حتى تحقق مستويات أفضل بالحد المطلوب للمعيشة من خلال رفع مخصصات الضمان والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة.
وأضاف العنقري: نأمل أن تتجه كل تلك الجهات إلى إيجاد برامج أفضل من القائمة لتحسين الخدمات الصحية وكذلك الشئون الاجتماعية، وذلك بطرح مبادرات متنوعة، فما خصص لتلك الجهات من موازنات يعد ضخماً ويكفي للارتقاء بخدماتها حتى يلمسها المواطن كما خطط لها فالمقياس والحكم يأتي من المواطن على الخدمات المقدمة، ولذلك نأمل أن تقوم الوزارات المعنية بتلك الخدمات أن تقوّم أداءها وأن تعالج أي قصور وتفعل دور القطاع الخاص معها وكذلك اعتماد وسائل تواصل تحصل من خلالها على رأي المواطن بما تقدمه وتعالج أي إشكاليات تعرقل وصول الخدمات له، مستدركا بأن مؤشرات التنمية البشرية ارتفعت بالسنوات الأخيرة كثيراً لكن يبقى رفع مستوى كفاءة الإنفاق وقياس الأداء مهماً لكل الجهات المعنية بخدمة المواطن تعليمياً وصحياً واجتماعياً حتى ترتقي بما تقدمه ويلمسه المواطن ويحقق تطلعات ولاة الأمر بالارتقاء بالمجتمع لأفضل المستويات حيث أمروا بتوفير كل الإمكانيات التي تحتاجها هذه الوزارات ومنذ سنوات طويلة، وهذا ما توضحه أرقام الموازنة الحالية حيث شكّل مخصص التعليم والصحة والشئون الاجتماعية قرابة 45 بالمائة من الموازنة العامة.
فيما اعتبر الدكتور مشعل السُّلمي رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشورى أن ميزانية الدولة للعام المالي 1436-1437هـ جاءت محققة لتطلعات المواطنين ومتطلبات وحاجات التنمية.. وعلى الرغم من أن إيرادات الدولة المتوقعة لهذا العام سوف تنخفض عن العام المالي السابق بسبب انخفاض سعر البترول، إلا أن القطاعات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر قد حظيت بالنصيب الأكبر من الميزانية كالتعليم والتدريب والصحة والتنمية الاجتماعية والإسكان والخدمات البلدية.
وقال: حظي قطاع التعليم والتدريب في المملكة بدعم مالي وعناية ورعاية فائقة من الدولة.. فقد تم اعتماد ما يقارب (217) مليار ريال لقطاع التعليم والتدريب لهذا العام، وهذا يمثل حوالي (25%) من النفقات المعتمدة في الميزانية.. وقد تضمنت ميزانية التعليم والتدريب لهذا العام: استمرار تنفيذ مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، وبدأ العمل في تنفيذ برنامج دعم تحقيق أهداف مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام البالغة تكاليفه أكثر من (80) مليار ريال؛ واعتماد النفقات اللازمة لافتتاح (3) جامعات جديدة هي جامعة جدة وجامعة بيشة وجامعة حفر الباطن، واعتماد مشاريع جديدة لوزارة التعليم العالي والجامعات بتكاليف تقارب (12.3) مليار ريال لتنفيذ البُنى التحتية لبعض الجامعات وتأثيث بعض مرافقها، واستمرار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بنفقات سنوية تبلغ حوالي (22.5) مليار ريال؛ واعتماد مشروع جديد لتشغيل كليات التميز بتكاليف كلية تبلغ (2.4) مليار ريال.
وأضاف: إن الدولة تنفق بسخاء على التعليم والتدريب لأنه استثمار في حاضر ومستقبل الوطن، وذلك لبناء الإنسان السعودي المؤهل والمدرب ليكون صاحب كفاءة معرفية وتدريبية عالية، يتحمل مسؤولية إدارة شؤون الدولة ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص بكل كفاءة ومهنية.. ولذلك نلحظ أن قطاع التعليم والتدريب حظي بأكبر نفقات الميزانية العامة للدولة على مدى السنوات الست الماضية، حيث إنه يستقطع حوالي 25% من الميزانية العامة للدولة.