بريدة - نادي القصيم الأدبي:
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي نبأ وفاة إبراهيم بن محمد النّاصر مساء سبت يوم واحد وعشرين من شهر صفر سنة: ست وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة عن عُمر يُناهز الثامنة والستين عاماً.. انتقلت روحه الطَّاهرة إلى بارئها في عالم الخلود الذي أعدّه لعباده الصَّالحين على أثر نوبة قلبيَّة حادّة ونُقل إلى طوارئ مستشفى محافظة عيون الجواء؛ لإسعاف نوبته التي لم يتوقعها أولاده، ولم يتوقعوا أنَّه لن يعود معهم إلى منزلهم الذي لمّ شملهم، ووالدتهم؛ إلا أن القضاء تمّ لا راد له، ورفع الأطباء أيديهم، وأعلنوا الوفاة التي أعدّها أولاده، والحضور في الطوارئ مصيبة عظيمة لم يتوقعوها، واسترجعوا، وتقبّلوا الخبر بقلوبٍ مؤمنة بقضاء الله وقدره على أن روح والدهم رُفعت إلى بارئها.
إنّ مشهد جنازته وهي مُسجاة على سرير الطوارئ، وأولاده، والحضور ينظرون إلى جبينهِ الذي شعّ نوراً؛ لما يحمله من حبٍ أجمع معارفه على أنَّه لا يحمل كرهاً، ولا حسداً، ولا حقداً لأحد، هذا وأذهلت وفاته من تبع جنازته بعد الصلاة على روحهِ الطَّاهرة، حيثُ شاهدوها بعد خروجها من غرفة الجنائز داخل المسجد محمولةً من أقاربه على أكتافهم تحملهم أقدامهم إلى ساحة المقبرة التي سبقهم إليها المشيّعون من داخل بريدة، وخارجها، وامتلأت سرادقها من المعزّين الذين غشت على وجوههم علامات حزن فراق روح رجل عُرف بابتسامته التي تعلو شفتيه، وبشاشته التي أضاءت جبينه، وضحكته التي أسعدت مُتلقيها !.
إنَّه رجل عُرف بتواضع جم، وطيب قلب، وكرم يد، عرفته عن كثب في مجالس عوائل بريدة التي يحضرها حباً لأصحابها.
عرفته من الصغر في حضور مجالسه التي أسعدتني وغيري من الكبار والصغار بمُختلف مشاربهم الثقافيَّة على أنَّه رجل باسم، وباش، وسمح، وعزيز النفس، وعال الأخلاق، وحسن الطبائع. إنّه صاحب قفشات طيّبة، تقبلها جُلسائه بنفسٍ راضية.
وهذه الصفات وجدتها لوحة رُسمت في وجهه الذي أجمع معارفه الذين حضروا؛ لأداء واجب العزاء لأولاده في منزله على أنَّه من المشّائين إلى صلة الرحم لأقربائه الذين وجدوا فيه نِعم القريب الوفي الذي أشرع أبواب منزله المتواضع؛ لاستقبالهم ببشاشته، وضيافته بما تجود به يده، ومسامرتهم بطرائفه التي لا تُمل.
كما أنَّه من الذين يحضرون مجالس عوائل بُريدة التي يدخل إلى ثلاثة منها في ليلةٍ واحدة؛ يجد فيها ترحيباً، وتكريماً، وأُنساً. إنَّه أنيس المجالس التي لم ترحل ذاكرته، مُبقيةً سيرةً عطرة تتناقلها الألسن؛ لسماحة خُلقه، وطيب نفسه، ورفعة قدره، لا يدع لجلسائه شاردةً خارج طرائفه؛ لحلاوتها، ولا يملّون من استماع سرد قصصه التي تشدّهم على الإصغاء بدلاً من أجهزة تواصلهم.
إنَّه ابن بريدة الذي درج في أزّقتها القديمة، وحمل أجمل ذكريات رجالها وسرد قصصهم، وحديث طرائفهم؛ فأبقى في قلوبِ أبنائهم، وأحفادهم حباً له، وترحماً عليه عند وفاته، وتشييع جنازته، وتعزية عائلته.
وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
- أحمد المنصور