الجزيرة - الرياض:
شرعت عدد من المؤسسات المالية ومراكز الأبحاث في إعداد تقارير حول أبرز المؤشرات الإيجابية التي أظهرتها الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 2015، والتي تؤكد متانة الاقتصاد السعودي، وتعزز الطموحات بعيدة المدى التي تبنتها المملكة رغم الصعوبات والتحديات المستقبلية.
حيث أكد تقرير اقتصادي متخصص صادر عن غرفة الشرقية ممثلة في مركز الدراسات والمعلومات أن مؤشرات الميزانية العامة للمملكة للعام المالي 1436 / 1437 هـ جاءت تأكيداً رسمياً وإعلاناً اقتصادياً عن قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، وعلى مدى قدرته على مواجهة الأزمات الطارئة، وتحقيق التنمية المتوازنة في جميع مجالاتها.
وبحسب التقرير فإنَّ تلك الميزانية (واستكمالاً لميزانيات المملكة السابقة) تتبنى مشروعات جديدة ومتنوعة، إيذاناً بدخول مرحلة جديدة من الإنفاق على ملفات عديدة، كاستكمال مشروعات الطاقة والبنية التحتية، والعمل على استحداث قنوات جديدة تسهم هي الأخرى في دعم الاقتصاد الوطني.
في الوقت ذاته، توقع تقرير صدر عن إدارة الأبحاث في شركة جدوى للاستثمار أن من شأن متوسط إنتاج عند مستوى 9.6 مليون برميل يومياً ومتوسط سعر عند 56 دولاراً للبرميل لسلة الخامات السعودية (نحو 60 دولاراً لخام برنت) أن يستوفيا الإيرادات النفطية المستخدمة في تقديرات الميزانية الجديدة.
كما رجح أن تتخطى كل من الإيرادات والمصروفات الفعلية في عام 2015 المستويات المقدرة في الميزانية، لذا يتوقع تحقيق عجز قدره 157.4 مليار ريال (6 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي)، وذلك بناءً على سعر للنفط في حدود 79 دولاراً للبرميل لخام برنت.
التعامل مع الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية
وبالعودة لتقرير غرفة الشرقية، ليؤكد أن الميزانية الجديدة أظهرت تمتع حكومة المملكة بالخبرة والحكمة في تعاملها مع الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية، كما تؤكد مدى التزام حكومة المملكة بمجموعة من المعايير والثوابت في إعداد ميزانيتها العامة، والتي تعد بمثابة «الأهداف الاستراتيجية لميزانية 1436/1437هـ»، أهمها إعطاء الأولوية للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر كالخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والطرق، وكافة مشروعات البنية الأساسية، استمرار الاستثمار في البنية التحتية باعتباره أفضل الطرق لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، توطين رؤوس الأموال السعودية المهاجرة، نشر الجهد التنموي وثماره بين مختلف مناطق المملكة لضمان استمرار التنمية الإقليمية المتوازنة، وعدم التركيز على تنمية منطقة دون أخرى، بما يسهم في زيادة التقارب بين المستويات التنموية في جميع مناطق المملكة، وكذلك تنمية وتطوير العنصر البشرى، تنمية القوى البشـرية الوطنيـة وزيـادة توظيفها انطلاقاً من مبدأ «أن الإِنسان هـو أداة وغايـة عمليـة التنمية»، والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل للمملكة، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، إلى جانب خفض حجم الدين العام، ومراعاة استثمار الموارد المالية المتاحة بشكل أمثل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة للمملكة.
ووصف التقرير الميزانية بأنها أداة اقتصادية فعالة تسهم في مواجهة التحديات المستقبلية للمملكة، والتي منها التحديات التي تتعلق بالنمو السكاني، وتزايد معدل الطلب على الخدمات الأساسية والمرافق الخدمية، وتحديات تنويع مصادر الدخل والقاعدة الاقتصادية، وتحديات القطاع المصرفي والمالي في ظل قوانين منظمة التجارة العالمية، فضلا عن التحديات الأخرى التي تتعلق بزيادة حدة المنافسة التي تواجهها المنتجات الوطنية. حيث تعد ميزانية 2015 أداة اقتصادية هامة تسهم في التغلب على تلك التحديات المستقبلية ومواجهتها.
ولفت التقرير إلى جملة من الإجراءات التي اتخذتها المملكة لمواجهة هذه التحديات، منها اعتزامها تنفيذ مشروعات تنموية جديدة ومتنوعة بجميع مناطق المملكة، لضمان استمرار التنمية الإقليمية المتوازنة، ولتعزيز دور جميع المناطق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم التركيز على تنمية منطقة دون أخرى، بهدف تضييق الفجوة التنموية بين المناطق المختلفة، والحد من التمركز السكاني في مدن بعض المناطق، والتغلب على آثار ارتفاع النمو السكاني بالمملكة، حيث بلغ المخصص لقطاع الخدمات البلدية مشتملاً وزارة الشؤون البلدية والقروية والأمانات والبلديات حوالي 40 مليار ريال، مما يمثل حوالي 5 في المئة من النفقات المعتمدة بالميزانية.
كما تسعى المملكة لاستيعاب الزيادات السكانية والتعامل معها، بزيادة المخصصات للخدمات الصحية والتعليمية، وتوفيرها بدرجة عالية من الكفاءة والجودة للأجيال الجديدة والمتلاحقة، فنجد أن ما خصص لقطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية حوالي 160 مليار ريال، مما يمثل حوالي 19 في المئة من النفقات المعتمدة بالميزانية، بينما بلغ ما تم تخصيصه لقطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة حوالي 217 مليار ريال، مما يمثل حوالي 25 في المئة من النفقات المعتمدة بالميزانية.
وفي إطار مواكبة المملكة تزايد معدل الطلب على الخدمات الأساسية والمرافق الخدمية، فقد بلغ المخصص للقطاعات الاقتصادية الأخرى حوالي 60 مليار ريال، مما يمثل نحو 7 في المئة من النفقات المعتمدة بالميزانية، في حين بلغت مخصصات قطاع التجهيزات الأساسية والنقل حوالي 63 مليار ريال، مما يمثل حوالي 7 في المئة من النفقات المعتمدة بالميزانية.
وقال التقرير، إن المملكة تنتهج سياسات اقتصادية تهدف إلى تنمية وتنويع مصادر الدخل والاستغلال الأمثل للموارد، بما يكفل استدامة التنمية الاقتصادية على المدى الطويل وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على سلعة واحدة كمصدر للدخل، وتعمل على الاستمرار في مواصلة تطوير هيكل الاقتصاد السعودي، وتحقيق زيادات ملموسة في مساهمة القطاعات غير النفطية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير الفرص الوظيفية، ورفع القدرات التنافسـية للاقتصاد الوطني وللمنتجات الوطنية.
وأضاف أن السياسة النقدية التي تنتهجها المملكة ساعدتها في توفير الحيز المالي الملائم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة آثار الأزمات المالية العالمية المتلاحقة، وحافظت على متانة وسلامة القطاع المصرفي فيها، كما أن تلك الطفرات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد السعودي تؤكد أن سياسة المملكة المالية جيدة وأنها تمضي في مسارها الصحيح. فقد أسهمت الخطط الجادة في تحقيق هذا التفوق الملحوظ.. وهنا تبرز أهمية تشجيع القطاع الخاص وتحفيزه للاستثمار في قطاع التجهيزات الأساسية وإدارتها على أسس تجارية، فعلى الرغم من زيادة دور القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني خاصة دور القطاع الخاص، إلا أن القطاع النفطي لا يزال هو المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني، حيث يساهم بمعظم إيرادات المملكة والمتحصلات في ميزان المدفوعات، لذا فلابد من الاستفادة من فوائض مالية وقائية لمواجهة ذلك والاهتمام بتطوير وتنويع المصادر غير النفطية للدخل.
وذكر التقرير، أن الميزانية للعام 2015 بمعطياتها ترفع سقف التطلعات نحو مستويات أكثر تنافسية في أداء الاقتصاد الوطني، فالأرقام التي سجلتها الميزانية تعزز التطلعات في مواصلة التنمية المستدامة، وتدفع الاستراتيجيات لرفع سقف الطموحات التنموية، وتوسيع نطاق التنافسية في الأداء بما يحقق النتائج الإيجابية المرجوة في مختلف قطاعات المملكة.
ميزانية تحفيزية تدفع عملية النمو الاقتصادي
أكد تقرير «جدوى للاستثمار» أن ميزانية الدولة للعام المالي 2015 جاءت تحفيزية وضخمة وأبقت على الإنفاق عند مستوى مرتفع جداً سيلعب بلا شك دوراً رئيسياً في دفع عملية النمو الاقتصادي في البلاد.
وبحسب التقرير، فإنه لأول مرة منذ عام 2011 يتم إقرار ميزانية يتوقع أن تسجل عجزاً وذلك بناءً على حجم إيرادات يبلغ 715 مليار ريال ومصروفات تبلغ 860 مليار ريال. فيما بقي قطاعي التعليم والرعاية الصحية يمثلان أهم بنود الإنفاق الحكومي في الميزانية، حيث شكلت مخصصاتهما نحو 43.8 بالمئة من إجمالي الإنفاق. وأشار إلى أن العجز سيتم تمويله بسهولة من خلال السحب على الموجودات الأجنبية الضخمة لدى مؤسسة النقد «ساما» التي بلغ إجماليها في نهاية نوفمبر نحو 736 مليار دولار. كما أن الدين المحلي انخفض في عام 2014 إلى مستوى لم يشهده منذ فترة طويلة عند 44.2 مليار ريال، أي ما يعادل 1.6 بالمئة فقط من الناتج الإجمالي المحلي.
ولفت التقرير إلى أنه رغم الظروف العالمية التي أدت إلى هبوط كبير في أسعار النفط، أبقت المملكة على سياستها في مواجهة آثار تقلبات الدورات الاقتصادية في ميزانيتها للعام 2015، وهي ميزانية تؤكد عزم الحكومة الاستمرار في دعم النمو الاقتصادي، متوقعا أن يؤدي الإنفاق الاستثماري المرتفع الذي قررته الميزانية في حدود 278 مليار ريال إلى دعم نمو اقتصادي قوي، كما سيشجع القطاع الخاص ويتيح له فرصاً جيدة في وقت تسود حالة من عدم اليقين إزاء الأوضاع العالمية والإقليمية على حد سواء.
كما أشار إلى أن أداء ميزانية عام 2014 جاء عند أدنى مستوى من نطاق توقعاتنا وسجلت عجزاً قدره 54 مليار ريال، رغم أن أسعار النفط (99.5 دولار للبرميل من خام برنت) وحجم الصادرات (7،1 مليون برميل في اليوم) كلاهما كان مريحاً خلال الفترة من بداية العام وحتى تاريخه. ويعو د هذا العجز الذي يُعدُّ الأول منذ عام 2009 في المقام الأول إلى انخفاض إجمالي الإيرادات وكذلك زيادة المصروفات.
كما نجد أن الإيرادات الفعلية هبطت بأكثر من 9 بالمئة، مقارنة بالعام السابق، ولكنها لا تزال تتجاوز التريليون ريال للعام الرابع على التوالي. كذلك سجلت المصروفات، التي ارتفعت بنسبة 12.7 بالمئة، أعلى نسبة نمو خلال الثلاث سنوات الماضية، وقد تخطت قيمتها حاجز التريليون ريال لأول مرة.
وأظهرت البيانات الاقتصادية الأولية أيضاً نمواً جيداً للاقتصاد خلال عام 2014، حيث ارتفع الناتج الإجمالي المحلي الفعلي بنسبة 3.59 بالمئة، كما حافظ القطاع الخاص غير النفطي على معدل نمو قوي بلغ 5.7 بالمئة على أساس سنوي، وتجاوزت معدلات النمو في قطاعات التشييد، والصناعة غير النفطية، والنقل والاتِّصالات مستوى 5 بالمئة على أساس المقارنة السنوية. كذلك أدت المستويات المرتفعة لإيرادات الصادرات النفطية إلى إبقاء فائض الحساب الجاري عند مستوى نمو برقم من خانتين، حيث ارتفع بنسبة 14.1 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، أو بنحو 106.4 مليار ريال.