رحل قبل أيام فضيلة الشيخ سعد الحصين، وكان شقيقه الشيخ صالح قد سبقه إلى جوار ربه، ولا أظن أن أحدا لا يحب هذين الشيخين الجليلين، والرمزين الوطنيين، كما أجزم بأنه لا يوجد لهما خصوم، فهما من النوع النادر من البشر، خلقا وزهدا وتواضعا، وتتذكر السلف الصالح، عندما تراهما، ويندر في زماننا هذا أن ترى من تقبل عليه الدنيا فيصد عنها، وينذر نفسه لعمل الخير، واذا كان للزهد والورع والتقوى والتواضع درجات، فإن هذين الرجلين في أعلى درجات السلم، ويعرف ذلك كل من عرف عنهما، ناهيك عن من كان محظوظا برؤيتهما، والحديث إليهما.
قبل عدة سنوات، رأيت الشيخ صالح في مكتب سمو ولي العهد، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمهما الله، ورغم تواضعه، ومحاولته عدم لفت الأنظار إليه، إلا أن جميع الحاضرين، بلا استثناء، ومنهم وزراء وعلماء ومسؤولين كبار، حرصوا على السلام عليه، وبما أن معظمهم لم يكن يعلم بأن الشيخ الجليل لا يمكن أن يسمح لأحد بأن يقبل رأسه، فقد كانت محاولاتهم، ومحاولاته لمنع ذلك منظرا لا يمكن أن يغيب عن الذاكرة، خصوصا إذا علمنا أن هناك من هم أقل منه علما ومنزلة، ومع ذلك يستجدون مثل ذلك، بل ويحرصون عليه، وفي حضور الشيخ صالح وسعد يكون السمت هو سيد الموقف، فللكبار هيبة لا تخطئها العين، مهما تواضعوا، ومهما حاولوا تقليل منزلتهم، وكم حرمنا من علمهم، في هذا الزمن الرديء، الذي صعد فيه المنابر من كان مكانه الطبيعي في الصفوف الخلفية.
ربما أني كنت محظوظا بأن أتحدث مع الشيخ صالح في تلك المناسبة، ولأول مرة أشعر بالمعني الحقيقي للتواضع، ونكران الذات، كما لفت انتباهي حرص الشيخ على إشعار محدثه بالأهمية، ووزنه لكلماته المحدودة بميزان من ذهب، فليس لديه كلمة زائدة أو مكرورة، ومثله الشيخ سعد، والذي كان ممن ساهموا في النهوض بالتعليم النظامي، ومن أشهر الدعاة إلى الله بصمت، ودون ضجيج، أو انتقائية، فهو يبذل، ويناصح، ويكتب، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذا لا يغضب أحدا، لأن الجميع يعلم بأنه يفعل ذلك من باب غيرته على الدين، وحرصه على المصلحة الوطنية، والأمن الاجتماعي، وهذا ما يفعله بقية السلف الصالح، مثل الأخوين صالح وسعد، وأتمنى، من خلال هذا المنبر، أن يبقى ذكر هذين الشيخين حاضرا، من خلال جمع إرثهما العلمي، وسيرتهما المميزة، كما نأمل أن تتولى إحدى جامعاتنا إقامة ندوة كبرى، تلقي الضوء على سيرة هذين الرمزين، وبالتأكيد فإن تكريمهما، من خلال إطلاق اسميهما على قاعة محاضرات في جامعة، أو شارع هام، على سبيل المثال، لن يكون غائبا عن ذهن من يقدر الشخصيات الوطنية الكبيرة.