منتصف السبيعينيات الميلادية من القرن الميلادي المنصرم. كان المجتمع السعودي يرمي بثوبه الخشن المرقّع، ليستبدله بثياب ذات ملمس ناعم. صاحب ذلك تحولات كبيرة أشبه ما تكون بصدمة الفقير الذي يرث مالاً غير معلوم.
صدمة محدث النعمة، كانت تتكرر ولكن بمشهد واسع يشمل كل أفراد المجتمع.
برزت قصص تعكس صدمة هذه النعمة، التي لم تسقط ذهباً من السماء لكنها خرجت من أعماق الأرض. «الفرّاش» الذي تحول إلى تاجر عقار، و»المراسل» الذي غدا رجل أعمال، و»المدرس» الذي أصبح مالك شركة مقاولات عامة.
ملايين من الريالات وأكثر، تتناثر في كل مكان، حتى دارت مقولة بين ألسنة الناس: «من لم يغتن في مرحلة الطفرة لن يغتني أبداً»!
الطفرة التي جعلت حال الناس أفضل من ذي قبل، هي نفسها من صنعت مجتمعاً اتكالياً، تخلى عن قيم العمل في مقابل الراحة، والاستمتاع بالمال الذي جاء بلا توقع أو حساب!
أبرز مشاهد الطفرة كانت في انعكاس تحسن الأحوال المعيشية للناس على أجسادهم. برزت ظاهرة البطن الممتلئ أو ما يُعرف عامياً بـ «الكرشه» تعبيراً عن النعمة التي ظهرت على صاحبها. وكلما كبر حجم البطن كان ذلك عنواناً لافتاً للنظر عن الثروة التي يمتلكها صاحب البطن الكبير، الذي يمشي وهو يحني ظهره للوراء عامداً ليري الناس حجم ما يمتلكه في بطنه من مال وفير!
الطبقة المتوسطة الدنيا التي لم تغتن في مرحلة الطفرة، لم تتغيّر أجسادهم. ونالهم من محدثي النعمة تعليقات من مثل: «يا المعصقل» شماتة على أحوالهم التي لم تتغيّر!
وبعد ربع قرن من هذه الطفرة، صار محدث النعمة يدفع من ماله لعمليات ربط المعدة أو الخضوع لبرامج الحمية القاسية، ليتحوّل إلى الرجل الرشيق!
المال الذي ذهب للبطن، هو نفسه المال الذي يذهب مرة أخرى لاسترداد ما كان قبل الطفرة!
لماذا أحكي سيرة تاريخ السمنة في المجتمع؟
لأنها بوابة تنفتح على أشياء أخرى فقدت في الطفرة، ونحاول أن نستعيدها رغم حالة التبلد التي يعيشها المجتمع!
لكن ما نستعيده الآن حقيقة هو الشكليات فقط، وما يقوم به البعض في استدعاء البساطة عبر تزيين بيته بقوالب طينية تعكس روح الماضي، هي نكتة ساخرة، تعكس حالة الانفصام التي نعيشها!
ومنطقيا - إن كنا نملك منطقاً لتفسير ما جرى - فإن استدعاء الماضي البسيط، استدعاء لكل القيم التي مثّلها سلوك أفراد المجتمع عندما كان متماسكاً في بنيته الصغيرة، من عطف الغني على الفقير، والكبير على الصغير، وحماية المجتمع للضعيف من تسلط القوي!