اطلعت على الرد الذي كتبه الأخ حمود بن عبد العزيز المزيني في العدد 15423 من صحيفة الجزيرة الصادر في 28-2-1436هـ منتقداً بعض ما ورد في بحث (من تاريخ المجمعة غير المدون) عنوانه (وقفات مع محاضرة أ.د. حمد الدخيّل حول تاريخ المجمعة). والناقد حضر المحاضرة، وعلق عليها، وسبق أن جرت بيننا مناقشة بالهاتف في بعض ما انتقده، ولم يقتنع كل منا بوجهة نظر الآخر. وكنت عازماً على عدم الرد؛ لأنه لا فائدة من تكرار آراء سبق الحديث عنها؛ فقد كانت - ولا زالت - تربطني به معرفة وصداقة. واتصل بي أشخاص رغبوا إلى أن أرد على ما نشر؛ لأن وقفات الأخ حمود تستحق أن يوقف عندها أيضاً؛ ولأن من حق القارئ أن يعرف الصواب، ويدرك الحقيقة من خلال الوقوف على الرأيين.
1 - يرى أن تعشارَ هي أم الجماجم الحالية مؤيداً في ذلك رأي عبد الله بن خميس في معجم اليمامة التي كانت في الماضي مورد ماء في طرف الدهناء. قال: «وابن خميس في نظري أقرب إلى الصحة منه، يؤيد ذلك قول ياقوت: تِعْشَار ماءٌ لبني ضبة. أما الشحمة فهي في جبل المجزل» أ هـ.
صحيح أن تعشار كان ماءً لضبة. والذي يؤيد ما أراه قول الحسن بن عبد الله الأصفهاني في كتابه: بلاد العرب، وهو يعدد المنازل والمناهل من حَجْر اليمامة (الرياض) ص 329 - 330، قال: «وإن وَرَدْتَ تَمَرَ وتُمير وردتهما، وهما ماءان لعديٍّ والتَّيِمِ، عليهما نخيلٌ ومياه بين أجبال، ويُرَى أحدهما من الآخر، وبين تلك الجبال خبراوات من السِّدْر. وإلاّ مضيتَ فوردْتَ مُبَايِض، وهو ماءٌ لضبة، وهو عن يمين الوشم. وإنْ اتّقَيْتَ اللصوصَ على وِرْدِ مبايضَ فإن عن يمينه بأسفلِ واديه حِسْياً فماً أو فمين يسمى الذويبة.
ثم تجوز مبايضَ - وبين مبايض وحَجْر أربع ليالٍ منطلقات - فأول ماءٍ ترده تِعْشَار، وهو لضبةَ في سند جَبلٍ، وحوله أبارقُ من رَمْلٍ، مُخَالطه جبالٌ».
هذا النص يقطع الشك باليقين في أن الشحمة تعشار، وأين أم الجماجم من تعشار؟!! وعبد الله بن خميس لو تأمل قول الأصبهاني كاملاً لكتب في معجمه أن الشحمة هي تعشار.
2 - يذهب الأخ حمود أن الاسم القديم لوادي المشقر حَرِم، وليس الوَدَاء كما ذكرت في البحث. ويستند في ذلك إلى أقوال لا تثبت مطلقاً أن وادي حَرِم في المجمعة، ولا في منطقة سدير كلها. يقول: «وهذا يتعارض مع تسمية البلدانيين القدامى لوادي المشقر بأنه حرم، يقول نصر: حرم بفتح الحاء وكسر الراء:وادٍ بأقصى عارض اليمامة فيه نخل وزروع، ويقال: بفتح الراء وضمها موقع باليمامة من قول ابن مقبل:
حَيّ وادي الحيِّ لا دارَ لها
بأُثَالٍ فَسِخَالٍ فَحَرِمْ
وقال الحازمي المتوفى في عام 584هـ: حرم بفتح الحاء وكسر الراء، وادٍ من ناحية اليمامة فيه نخل وزروع، ويقال: بفتح الراء.ومن اسم هذا الوادي اشتق اسم بلدة حرمة القديم، والتي تقع على هذا الوادي. يقول ياقوت في معجم البلدان ص 244: الحريم قرية لبني العنبر باليمامة. وقد يكون وادي الوداء يطلق على وادي الخيس وروافده حتى يصل إلى وادي حَرِم - المشقر حالياً - كأحد روافد وادي حرم الكبار، ووصف الباحث عبدالله الشايع وشواهده كلها على ذلك الموقع» أ هـ.
لي وقفات على ما قاله الأخ حمود:
أ - هل سَمّى البلدانيون القدامى وادي المشقر بأنه حرم؟ وهل في القول الذي ساقه اعتماداً على معجم البلدان ما يوحي - فضلاً عن أن يثبت - أن هذ ا الوادي في المجمعة؟
لانجد أي نص أو قول مأثور عن البلدانيين القدامى يشير إلى شيء من ذلك.
ب - ماذا يُقْصَدُ بأقصى عارض اليمامة في قول نصر أن (حرم) وادٍ بأقصى اليمامة، إذا لم تحدد الجهة؟ يَقُصَدُ به أقصاه من ناحية الجنوب لا الشمال.
ج - أورد ياقوت في معجم البلدان (حرم) قول أبي زياد: « حرم فَلْجٌ من أفلاج اليمامة». ولم يذكر الأخ حمود هذا القول.
د - الاستشهاد ببيت ابن مقبل المثبت في ديوانه ص 281، يؤكد أن وادي حرم ليس في المجمعة ولا في منطقة سدير كلها، بل هو في جنوب اليمامة، فابن مقبل هو تميم بن أبيّ بن مقبل بن عوف، ينتهي نسبه إلى عبد الله بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، شاعر مخضرم مُعَمَّر، ومنازل قومه أبناء كعب بن ربيعة، ومنهم جَعْدة، وعُقْيل، وقُشَيْرِ في فلج اليَمامة (الأفلاج). وذكر أيضاً وادي حرم وما حوله في قوله:
وَافَى الخَياَلُ ، وما وَافَاكَ من أَمَمِ
من أَهْلِ قَرْنٍ وأَهْلِ الضَّيْقِ من حَرِمِ
أَمْسى بِقَرْنٍ، فما اخْضَلَّ العِشَاءُ لَهُ
حتى تَنَوَّر بالزَّوْرَاءِ من خِيَمِ
من أبيات رائعة في ديوانه: 278 - 280.
أُثَال، قال عبد الله بن خميس معجم اليمامة 1-57: «بضم الهمزة، وفتح الثاء، فألف ولام، جبلٌ حوله ماءٌ - مُشاش - جنوب وادي الدواسر، وهو في أرضهم».
قَرْن: قرية في الأفلاج قرب ليلى. انظر ذكرها وذكر موقعها مفصلاً في معجم اليمامة 2-280 - 281، والأفلاج، د. إبراهيم بن صالح الدوسري (هذه بلادنا) ، ص 25 ، 26.
لفظة (أَمَم) وردت محرفة في معجم اليمامة، وورد الفعل (تَنوّر) مصحفاً، فلتصححا، وليضبط البيتان كما ضبطا هنا.
حَرِم: قال عبد الله بن خميس، معجم اليمامة 1-308: «حَرِم... وادٍ كبير من أودية الأفلاج يقع بين واسط والهدار، متعلق رأسه بقمة طُويق، ويصب سيله في قرية البديع إحدى قُرَى الأفلاج، وينتهي بالجدول مفضى سيول أودية الأفلاج، ويقدر طولُهُ من مبتدئه إلى الجدول بحوالي مائة وعشرين كيلاً، وبه روافد كثيرة». إلى آخر ما قال. وينظر الأفلاج ص 46.
يتبيّن القارئ من هذه الأقوال أن وادي حَرِم في الأفلاج وليس هو وادي المشقر في المجمعة.
ولستُ في حاجة إلى التكثر بإيراد أقوال البلدانيين القدامى بعد أن اتضح موقُع وادي حَرِم. ولا علاقة ببلدة حرمة بهذا الوادي لا من قريب ولا بعيد، وربما - وهذا مجرد ظن - أن حرمة سميت بهذا الاسم تفاؤلاً بأنها محرمة على الأعداء.
أما الحريم فقال الأصفهاني ، بلاد العرب ص 261: «ثم بطن الحريم، وهو وادٍ لِبَلْعَنْبَر بالفَقءِ». وقال في ص 251: « وبنو عوف بن مالك بن جُنْدَب يسكنون الفَقْءَ، وينزلون الحريمَ». وبنو عوف من بني العنبر من تميم، وكانت منازلهم قديماً في سدير. والحَرِيم مشتق أيضاً من الحرمة، وكذلك تسمية النساء عندنا. بالحريم. والأصفهاني يعد جلاجل من ناحية الفَقْء. ص 251.
ولا يمكن أن يكون وادي الوَدَاء هو وادي الخيس؛ لأن الخيس منهلٌ قديم بهذا الاسم، وواديه يضاف إليه.
3 - قال الأخ حمود: « ويوجد على وادي المشقر غرب المجمعة - منيخ - بلدتين قديمتين (الصحيح: بلدتان قديمتان»، الأولى باسم القلعة، والأخرى باسم المكشحة. يقول الشيخ ابن خميس في معجم اليمامة بأنَّ، (الصحيح: إنّ) المكشحةَ تبدّل اسمها. والمحاضر يقول بأنها، الصحيح (إنها) زالت من الوجود والواقع يقول بأن (إن) البلدتين لا تزالان قائمتين، بلدة القلعة تبدل اسمها إلى العلاوة ، والمكشحة تبدل اسمها إلى الفشخاء. ولا أتفق مع المحاضر بأن الفشخاء هي القلعة ، أولاً لوصف الأصفهاني لموقع القلعة في قوله: «ثم وادي الكلب... ثم القلعة، ثم أشيّ، والبلدة التي بين وادي الكلب وأشي هي العلاوة، وليست الفشخاء. والثانية أن الفشخاء أقرب إلى أشي من العلاوة. وقد قال الحفصي عن المكشحة بأنها قريبة من أشي. أما الوثيقة التي استدل بها المحاضر المؤرخة ب 1229هـ، والتي من شهودها إمام القلعة فليس فيها ما يؤيدما ذهب إليه، بل بالعكس تثبت أن القلعة غير الفشخاء التي بيع فيها العقار» أهـ.
لي على هذا القول الطويل وقفات:
أ - لم يورد جميع ما قاله الشيخ ابن خميس عن المكشحة الذي قال بعد أن ضبط اسمها بالحروف معجم اليمامة: 2-386: «ذكرها زياد بن منقذ العَدوَيّ في ميميته المعروفة، فقال:
يا ليتَ شِعْري عن جَنْبَي مُكَشَّحَةٍ
وحيث تُبْنَى من الحنَّاءَةِ الأُطُمُ !
عن الأَشَاءَةِ هَلْ زالَتْ مَخَارِمُهَا
وهل تَغَيَّرَ من آرَامَهِا إرَمُ!
قال ياقوت: موضع باليمامة . قال الحفصي: هو نخل في جِزْعِ الوادي قريباً من أشي». أهـ
قلت (القول لابن خميس): «لا شك أن مُكَشَّحَة بوادي المِشْقَر - وادي المجمعة - ولكنها الآن لا تُعْرف، تغير اسمها وحَلّ محلَّه غيرُه، شأن أعلام كثيرة اندرست بالكلية أو حل محلها غيرها.. والله أعلم».
ب - زياد بن منقذ العدوي من شعراء الدولة الأموية ومن شعراء حماسة أبي تمام، وهو من سكان أشي بلدة قومه بني العدوية من تميم.والأشاءة أراد بها أشي ولم يذكرها باسمها المباشر مراعاة للوزن.ومعنى الكلمة في الأصل النخلةُ الصغيرة، أو الفسيلة منها، وهي ما نسميه بالفرخ، والبيتان يفهمان أن مكشحة من منازل قومه في أشي، ويؤيد ذلك قول محمد بن إدريس بن أبي حفصة: إنّها نخل في ناحية الوادي قريبة من أشي. ويريد بالوادي وادي أشي الذي سميت البلدة باسمه، واحتفظت بهذا الاسم إلى الآن. ولا أتفق مع الأستاذ عبد الله بن خميس بأن مكشحة تقع على وادي المشقر، بل أرى أنها تقع على وادي أشي، أحد روافد الوداء (المشقر) الكثيرة.
وليس لدينا ما يثبت أن اسمها تغير، وحل محلَّه غيرُه،؛ فكثير من المنازل اندثر اسمها وموضعها فلا يعرفان.
ج - ما الدليل على أنَّ العلاوة هي بلدة القلعة التي ذكرها الأصفهاني؟
لم يورد الأخ حمود أي دليل أو قول يثبت أن العلاوة هي القلعة. وكان ينبغي أن يدعم قوله بوثيقة أو نص يعتد به، بدلاً من بناء الرأي على الظن كقوله: إن وادي حرم هو وادي المشقر.. العلاوة تقع في الشمال الغربي من المجمعة، وتبعد عن باب حُوَيزة بضع مئات من الأمتار، وهي قرية صغيرة محدثة بناها الفلاحون الذين يملكون نخيلاً في محيطها، وسميت بهذا الاسم، لأن تعلو المجمعة بمسافة قريبة جدّاً. وتعني العلاوة في اللغة: أعلى الرأس، أو أعلى العنق، وما وضع بين العِدْلَيْن بعد شدِّهما على البعير ونحوه، وكل ما عَلَّيْتَ به على البعير بعد تمام الوِقْرِ، أو علقته عليه، وهي من كل شيء: ما زاد عليه يقال: أعطاه ألفَ ريال، ومئةً عِلاَوة. والأسرُ التي سكنتها قبل أن تهجرها أصولها في المجمعة. ثم أين الدليل على أن مكشحة هي الفشخاء؟ والحفصي يقول: إنها في جزع الوادي قريبة من أشي. والفشخاء تبعد عن أشي بنحو 15 كيلاً، وتبعد عن وادي الكلب (الكلبي) بنحو كيلين ونصف الكيل.
والوثيقة التي ينكرها الأخ حمود، ويرى أن ليس فيها ما يؤيد ما ذهبت ُ إليه، بل يثبت في رأيه أن القلعة غير الفشخاء صريحة في أن المعني بها الفشخاء، ولديّ صورة منها، كتبها الشيخ عثمان بن عبد الجبار بن أحمد بن شبانة عام 1229هـ، وهو العام الذي توفي فيه الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود. ويُعد الشيخ عثمان من أشهر علماء المجمعة وقضاتها، ترجم له ابن بشر في تاريخه، وأثنى عليه، وترجم له إبراهيم بن صالح بن عيسى في تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، وترجم له البسام في: علماء نجد خلال ستة قرون ص 690 - 692، ومحمد بن عثمان القاضي في روضة الناظرين 2-71 - 73 وغيرهم. توفي في 27-9-1242هـ.
ونص الوثيقة : «يعلم مَنْ يراه أنَّ نخل سليمان بن عيسى ثابت رهنهن لإبراهيم بن جماز، واستفتى إبراهيم بن محمد بن جاسر، موافق بالبيع، وولىّ عبد الكريم بن معيقل حال كونه نائباً لسعود على سدير، ولّى إبراهيم بن مزيد، وشهد إبراهيم حراجهن، وباعهن على فوزان بن عيسى بمئة ريال بعد مشاورة العدول وحضورهم، باع إبراهيم ما ذكر على فوزان بن عيسى نصيب سليمان في العقار المسمى الفشخا بجميع حقوقه الداخلة والخارجة من ماء وسيل وطريق بيعاً صحيحاً بَتّاً. شهد بذلك جماعة من المسلمين، منهم حمد العسكر، وحسين بن جاسر، وعبد العزيز بن ناصر (التويجري) إمام مسجد القلعة، وشهد به وكتبه عثمان بن عبد الجبار، والمبيع صار لسليمان في الفشخاء من أثل، ودار، وأرض. شهد به من ذكرنا، كتبه كاتبه آنفاً».
فاسم القلعة بقي معروفاً مستعملاً في بداية تسمية الفشخاء بهذا الاسم، ثم تنوسي مع الزمن. والقلعة تقع محاذية للبلدة من الشمال، وبها آثار المسجد الذي كان قائماً بجوار القلعة، وإمامه آنذاك هو عبد العزيز بن ناصر التويجري، توارث أبناؤه وأحفاده أباً عن جد إمامة مسجد القلعة ثم مسجد الفشخاء الذي لا يزالُ موجوداً، وربما ورث الإمامة عن آبائه وأجداده. وأدركت في صغري حفيده عبد العزيز بن ناصر بن عبد العزيز التويجري وكان إماماً لمسجد الفشخاء، وقبله كان والده ناصر بن عبد العزيز يتولى الإمامة. وكان آخر عمل تولاه عبد العزيز بن ناصر وظيفة مراقب بكلية الشريعة بالرياض، وكان زميله عثمان بن محمد النجران يتولى العمل نفسه في كلية اللغة العربية، وخلف عبد العزيز بن ناصر في إمامة مسجد الفشخاء عبد العزيز بن علي بن محمد نشوان (1335 - 1388هـ) الذي قدم إلى الفشخاء عام 1369هـ.
وما سقته يثبت قطعاً أن الفشخاء بلدة أثرية قديمة كانت تسمى القَلْعَة.رحم الله من توفى وأطال عمر من بقي.
وإذا كان الأخ حمود يرى أن القلعة غير الفشخاء التي بيع فيها العقار، فما هي تلك البلدة؟ أهي العلاوة ؟ أو بلدة أخرى؟ وهل يعقل أن يأتيَ إمام مسجد العلاوة - على رأي الأخ حمود أن القلعة هي العلاوة - ليشهد على بيع عقار في الفشخاء (القلعة)؟!!
- أ.د. حمد بن ناصر الدخيِّل