لا يمكن لكاتب يريد أن يكتب عن الدعوة إلى الله، وحماية العقيدة والمقدسات، أن يكتب دون الاستشهاد بأقوال الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- فهو لا يعد رجل سياسة وصاحب ملك وسلطان فحسب، بل هو إمام من أئمة الدعوة إلى الله، وصاحب رسالة واضحة المعالم صريحة التوجه، ويكفي أن أول كلمة سمعها أهل الرياض عندما استردها ذات صباح كانت (الملك لله، ثم لعبد العزيز) وهذا إعلان صريح بصفاء العقيدة ونبل الهدف.
في كلمات معدودات يقول -رحمه الله-، مبينًا منهجه:
(أنا أدعو لدين الإسلام، ولنشره بين الأقوام، وأنا داعية لعقيدة السلف الصالح وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)
وقد تنبه الملك عبد العزيز منذ ذلك الوقت للمكائد والدسائس التي يراد منها تفرقة المجتمع وإضعاف الدولة، بأشكالها المختلفة فقال:
(إنني أفخر بكل من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين، وأعتز بهم، بل أخدمهم، وأساعدهم وأيدهم، وإنني أمقت كل من يحاول الدس على الدين، وعلى المسلمين، ولو كان من أسمى الناس مقامًا وأعلاهم مكانة)
منذ ذلك الوقت كان هناك دعاة شر يدسون السم في العسل، بغية تفرقة الأمة وإضعافها، ولكن الملك عبد العزيز كان يقظًا صارمًا، ولذا لم يستطع دعاة الشر والفرقة النيل من هذا الكيان العظيم.
هذه مقدمة ضرورية لهذه المقالة الموجة لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل.
معالي الشيخ.. مسؤوليتكم لا شك عظيمة وخطيرة، عظيمة كون الجزء الأكبر من عملكم هو الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى الطريق القويم من خلال منابر متعددة داخليًا وخارجيًا، وهذه رسالة الأنبياء والرسل عليهم صلوات ربي وسلامه، هذه المسؤولية وأعني الدعوة إلى الله تواجه كما تعلمون في هذه المرحلة هجومًا شرسًا من قبل قوى مختلفة بعضها - للأسف - من بني جلدتنا يؤمنون بديننا ويتكلمون بلساننا، وهؤلاء هم الأخطر على الأمة من العدو الظاهر.
معالي الشيخ.. الملك عبد العزيز عندما وحد هذه البلاد كما تعلمون، وحدها بجمع الكلمة، ونبذ الفرقة سواء كانت فرقة القبائل المتناحرة، أو فرقة المذاهب المختلفة، لم يحدث هذا بالسيف وإنما حدث بالمحبة والإخوة الصادقة، ففي أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض، في الحرم المكي الشريف كان للمذاهب الأربعة محاريب مختلفة، ولكل مذهب إمام، وبحكمة الملك وبعد نظره استطاع أن يوحدهم على إمام واحد، وهذا من أصعب الأمور وأكثرها حساسية، صلى الجميع خلف إمام واحد، ورضوا بحاكم واحد هو الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- نتيجة حكمته وبعد نظره وحرصه على شعبه.
كان الملك عبد العزيز داعية إلى الله، محبًا للعلم والعلماء، يعمر مجلسه بالذكر كل صباح ومساء، احتضن الجميع وقبلهم على علاتهم فكانوا له طائعين، لم ينبذ هذا ويشكك في ذاك، بل كان الجميع سواسية.
لماذا أذكر هذا بين يدي رسالتي لمعاليكم سؤال قد يكون حاضرًا في أذهان الكثير وبيانه أن منابر الجمعة وكذلك دعاة الوزارة أصحاب علم شرعي لكنهم بين مقل ومستكثر، ولا شك أن الخطأ وارد والتقصير متوقع ولكن الحكمة التي نعرفها عن معاليكم تجعلنا نتطلع إلى احتواء الجميع، وكان في كلمة معاليكم في أول يوم لكم في الوزارة مؤشر جميل على نقلة نوعية تنتظرها الوزارة داخليًا وخارجيًا.
هذه البلاد، قبلة المسلمين، وهي فخر كل مسلم كونها تطبق الشريعة الإسلامية السمحة في كل شؤونها، وقيادتها تفخر وتفاخر بين الأمم بأن دستورها القرآن، استحضر في هذا السياق رسالة من الملك الراحل فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- للملك عبد الله -حفظه الله-، ردًا على رسالة وجهها الملك عبد الله إبان ولايته للعهد لأخيه الملك فهد بمناسبة مرور عشرين عامًا على توليه الحكم يقول الملك فهد في رسالته:
أخي العزيز، عندما شرفنا رب العزة والجلال بخدمة الحرمين الشريفين، وخدمة هذا الوطن ومواطنيه، آلينا على أنفسنا أن نبذل كل ما نستطيع من جهد في سبيل القيام بذلك على الوجه الذي يرضي الله عنا، اقتداء بمن سبقونا من الرجال العظماء، الذين حملوا راية العز والفخار: راية الملك عبد العزيز -رحمه الله- المثل والرائد، الذي نسير على طريقه المضيء بكل ما هو نبيل وعظيم في هذه الحياة، فهو والدنا الذي علمنا الحب والإخلاص والوفاء، ونهلنا من معينه صفات التواد والتواصل والتآلف النقي بين القيادة والشعب في منهج يأسر القلوب ويدعو إلى الفخر.
أخي العزيز: إن ما تحقق في هذه السنوات القصيرة من عمر الزمن، وما سبقها، ما كان ليتم لولا تمسكنا جميعًا قيادةً وشعبًا بكتاب الله وسنة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما نطبقه قولاً وعملاً، ونعلنه بالصوت المرتفع للعالم كله، وستظل هذه الدولة بمشيئة الله متمسكة بهما شرعة ومنهاجًا وأسلوب حياة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومسيرة الخير ستستمر إن شاء الله بالعمل على إعلاء كلمة الله، السعي من أجل النهوض بوطننا الغالي، ورفعة شأنه، وإسعاد شعبنا المخلص، الذي هو منا ونحن منه، بمثابة قلب وجسد واحد يفيض ولاءً وحبًا. ا.هـ
التحزبات والتضادات التي نعيشها اليوم ما هي إلا نتيجة إقصاء يمارسه البعض ضد البعض الآخر، وإلا فنحن دولة كما يصرح قادتنا دومًا لا ترضى بغير القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين حكمًا ونظام حياة.
معالي الشيخ.. إن مجتمعنا مثله مثل المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى يموج في بحر من الأفكار والآراء التي لم تكن معروفة قبل عقدين أو أقل من الزمن، وهذا نتيجة لهذا الانفتاح الإعلامي متعدد الوسائط، ولذا فإن الحكمة تتطلب التعامل مع هؤلاء بفكر وأسلوب مختلف، فلم تعد المعلومة خافية، ولم يعد باعث الفتنة بعيدًا، والمصطادون في المياه العكرة يعملون ليلاً ونهارًا من أجل تصيد أي هفوة أو أي اختلاف بين الشعوب وقياداتها ليصنعوا من الحبة قبة ويثيروا الفتنة، لذا فإن مسؤوليتكم في ردم أي فجوة بين الدعاة والمسؤولين عظيمة وجسيمة وأنتم بلا شك أهلاً لها، فآلاف المنابر تحت إدارتكم وتستطيعون بالحكمة أن تجعلوا من هذه المنابر قنوات تواصل فاعلة بين كافة أفراد المجتمع وأجهزة الدولة المختلفة، لا أقول أن نصل إلى تطابق وجهات النظر، ولكنني متأكد أننا سنستطيع تقريب وجهات النظر، وأهم شيء في هذا التوجه شعور الجميع بأهمية سماع رأيه والاستفادة من نقده.
إن احتواء الجميع مهمة صعبة، ولكنني وأثق بأنكم - بإذن لله - أهل لهذه المسؤولية.
معالي الشيخ.. في الشأن الخارجي للمملكة حضور دعوي أقل بكثير من حجمها، بل من تطلعات قائدها خادم الحرمين الشريفين، الذي أعلم أن توجيهاته بتكثيف حضور المملكة بعلمائها ودعاتها هو أقل من طموح هذا الملك الصالح المصلح، ولا أرى أن ثمة عائقًا يعيق توسع الوزارة في هذا المجال، خاصة إذا علم بأن الميدان لن يبقى فارغًا، فإما نحن من يملؤه أو يأتي من يملؤه بالباطل وتضليل الناس وإفساد عقيدتهم.
أذكر في هذا السياق موقفًا حصل معي شخصيًا ففي عام 1991 دعيت لحضور مؤتمر مستقبل الإسلام في إفريقيا وكان في العاصمة النيجيرية، حضرت بصفتي الإعلامية، وقد كانت صدمتي كبيرة فلم يحضر من المملكة العربية السعودية غيري!!
بينما حضر من إيران ما يقارب 25 شخصية دينية!! يومها قال لي مسؤول نيجيري: انتبهوا قبل أن يأتي اليوم الذي تجدون القارة الإفريقية قارة شيعية، أعرف أن أبناء المملكة بالانتماء الذين نهلوا من العلم من جامعة الإمام والجامعة الإسلامية يعدون بالآلاف في كافة أنحاء العالم وهذا بلا شك مما يسهل عملكم ويوجد لكم أثرًا كبيرًا في أي بلاد تشاؤون، هذا دورنا وهذا قدرنا، دعاة للخير هداة للبشر.
صاحب المعالي.. لعلي أوجز في ختام هذه المقالة بعض النقاط التي هي حديث الناس بعد تعيينكم المبارك:
1- الأوقاف يرون أن المئات إن لم تكن الآلاف ضائعة مضاعة، وهذا يتطلب من معاليكم تفعيل هيئة الأوقاف.
2- المساجد وصيانتها وخصوصًا مساجد الطرق في وضع غير لائق البتة، وشركات النظافة والصيانة لعموم المساجد مضيعة للأمانة.
3- الدورات للأئمة والخطباء شبه معدومة، فكل عمل مسؤولي الوزارة التعاميم المتلاحقة دون أي نتيجة تذكر، وقد التقيت بالكثير من الخطباء فقالوا لنا عقود في الخطابة لم ندع يومًا لدورة مفيدة!!
3- المخيمات الدعوية في المناسبات كأيام الصيف بحاجة إلى تنشيط ومشاركة فاعلة من كافة القطاعات الحكومية والأهلية لجذب الشباب وحمايتهم من تجمعات الشر والفساد.
4- دور المسجد الثقافي الدعوي شبه مفقود، فأخلاق المجتمع على المحك، ولذا فإن صياغة رؤية متقدمة مقنعة للمتلقي بات أمرًا ملحًا أساسيًا لا ثانويًا.
وبعد.. هذه رسالة المواطن لمعاليكم وكله ثقة في حكمتكم وبعد نظركم، فما توليه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لكم إلا أملاً في أنكم ستحدثون نقلة نوعية المجتمع والأمة جمعًا في أمس الحاجة إليها.
والله المستعان.