خلاصة الحديث الدائر حول اتجاه أسعار العقار تتباين بين رأي ثابت بأن الاتجاه النزولي هو القادم، وبين رأي تغير من توقع باستمرار ارتفاع الأسعار إلى بقائها متماسكة لدى نسبة كبيرة، فعلى ماذا يستند كل طرف في وجهة نظره حتى من يرون أنها ستواصل الارتفاع وإن كانوا أقل نسبة من الرأيين اللذين باتا يشكلان الغالبية في قراءتهم للمشهد العقاري.
فالطرف الذي يرى أن تماسك الأسعار هو السمة الأكثر قرباً من واقع المستقبل على المدى القريب والمتوسط يعتبر أن حلول وزارة الإسكان لن تغير من العرض بأن يزيد عن الطلب، بل اعتبر أن حتى الوزارة إذا أنجزت بنسبة كبيرة من مشاريعها فسيستفيد منها فئة محدودة الدخل ليست في وارد حسابات العقاريين، كما يرون بأن أي حلول تقر كالرسوم على الأراضي لن تزيد من حجم عروض الأراضي، لأن هناك تأخيراً بتطوير المخططات وفسحها يأخذ بالمتوسط عامين إلى ثلاث، ويستدلون بعدم وصول الخدمات وتعدد اشتراطات الأمانات لاعتماد المخطط، إضافة إلى نظرة إيجابية للاقتصاد المحلي، بينما لا يخفون في الوقت نفسه حقيقة أن تراجع أسعار النفط مقلق لهم خشية تراجع حاد قد يحدث بمعدلات النمو الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يرون أن شرط 30 بالمئة كدفعة يجب أن يؤمنها أي مقترض من شركات التمويل العقاري بحسب شروط مؤسسة النقد سيضعف الإقبال على التملك، أي أنه اعتراف صريح بأن حجم المدخرات لدى الفرد محدود بما لا يكفي للاقتراض بقصد التملك.
ومن هذه النقطة يتضح أن مشكلة تسويق العقار على شريحة واسعة من الأسر صعبة، ولن تحقق أي نمو، مما يعني أن العروض ستتكدس على طاولات المكاتب العقارية.
ومهما كان المطور قادراً على الصبر والتمسك بسعره فإنه سيصل لمرحلة لن تطول حتى يتنازل عن السعر المعلن لكي يبيع، فالعامل الزمني مهم بقياس الأرباح أو تجميد رأس المال المستثمر. وهنا يظهر أول تناقض في وجهة نظر من يرون تماسك العقار.
ويضاف لكل ما ذكر عوامل عديدة هدفها التأكيد على أن أسعار العقار لن تتراجع بسهولة.
وحتى يخرجوا بصورة واقعية أو مقنعة برروا التراجع القائم حالياً بالأراضي الواقعة في أطراف المدن بأنه حالة استثنائية، لأن تلك الأراضي بعيدة ولا يوجد بها خدمات.
أما الرأي الذي يرى أن الأسعار ستهبط بحدة عالية فيستند إلى حقائق عديدة يطرحونها، كارتفاع الأسعار بما يزيد عن 5 إلى 10 أضعاف خلال آخر عشر سنوات، مع رؤية لآثار قرارات عديدة اتخذت أو في طريقها للاعتماد بأنها ستهوي بالأسعار بنسب عالية كقرار استعادة أراض للدولة بحجم قارب الملياري متر في أكبر المدن بالمملكة، والتي اتخذ فيها إجراءات بناء على معطيات اعتبرت مخالفة للأنظمة، كصكوك مزورة أو أساسها غير سليم أو تعديات.. إلخ، ويرون أن تسليم هذه الأراضي لوزارة الإسكان كفيل بأن يرفع من حجم العرض بنسب تفوق خمسة أضعاف الطلب على الأقل، يضاف إلى ذلك نظرتهم إلى مقارنات بين الاستثمار حالياً بالعقار وباقي القنوات المنافسة، وكذلك أسعار الفائدة المستقبلية والتي يظهر أن كلها لا تخدم الاستثمار العقاري الجديد مع النظر من قبلهم لتراجع أسعار النفط وأثره السلبي على أسعار العقار، لأن هناك تباطؤاً متوقعاً بنمو حجم المشاريع الحكومية مما سيهوي بنمو التضخم وسيقلل الطلب على العقار ومنتجاته مستقبلاً، سواء بتراجع بمعدل نمو العمالة التي ستبحث عن سكن للإيجار أو بموضوع تملك الأراضي لإقامة مشاريع حكومية عليها أو نزع الملكيات، مع توقعهم بصدور قرارات مهمة كإقرار الرسوم ونظام الزكاة الجديد، لأنها سترفع من تكلفة تملك الأراضي لفترات طويلة عكس ما هو قائم حالياً من تكاليف صفرية على مدة تملك العقارات خصوصاً الأراضي.
ويعتبرون أن تدخل الدولة بالسوق العقارية ما هو إلا توجه يهدف لإعادة الأسعار للقيم العادلة والكثير من المعطيات التي يظهر أنها واقع موجود وملموس، ويعتبرون الركود القائم بالسوق ما هو إلا مقدمة لتصحيح سعري كبير سيحدث بالعقار.
لكن واقع السوق العقاري يمكن أن يوضح لنا الكثير إلى أي اتجاه يسير العقار بأسعاره، فالطرف المؤيد لتماسك العقار يبني على استنتاجات أصبح كثير منها ماضياً، فحجم الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية والمرافق سيحول من هذا العام لإطار مختلف مبني على استكمالات للمشاريع التي لم ينته تنفيذها، أي أنها أعطت أثرها بالسوق العقارية مسبقاً، ولن تؤثر مستقبلاً وأن المشاريع الجديدة ستختلف عن السابق، لأنها ستكون نوعية كاستكمال بناء المدن الصناعية المعتمدة بالتخطيط المستقبلي والتي ستقام على أراض حكومية، وما يشابهها من توجهات أخرى.
كما أن تراجع أسعار النفط لا يبدو بأن عودتها للارتفاع ستصل بها إلى مستوياتها السابقة فوق 100 دولار خلال فترة قصيرة.
كما أن مشاريع وزارة الإسكان بالرغم من كل ما شهدته من تباطؤ إلا أن الفترة القادمة يتوقع أن تشهد تسارعاً بإنجازها، ورغم أن المستفيدين بحسب وجهة نظر من يرون تماسك الأسعار سيبقى محدوداً، إلا أنهم سيعدون بالملايين بنهاية المطاف، وهم في الواقع زبائن محتملون بسوق العقار، فعلى الأقل سيتركون منازل مستأجرة مما سيزيد من عرضها بالسوق، وقد يؤدي ذلك لهبوط في الإيجارات وضعف في الإقبال على الاستثمار بقصد التأجير لفترة، مما يجعل نمو الطلب على الأراضي ضعيفاً.
وهذا كفيل بخفض أسعارها، كما أن شروط التمويل للأفراد خصوصاًَ النسبة المقدمة من المقترض وباعتراف العقاريين - كما ذكرت - ستخفض من الطلب على شراء المساكن، ولن يكون لبقائهم بمنازل مستأجرة تأثير على رواج الاستثمار بقصد التأجير بنسبة مهمة. كما أن تراجع سعر الذهب من فوق 1900 دولار إلى ما يقارب 1200 حالياً مؤشر سلبي، على أن المضاربات بسلع أو أصول بقصد حفظ القيمة لم تعد مفيدة، وأن الاتجاه للأسواق المالية بات أكثر رغبة لدى الكثير، لأن العوائد أعلى ومكررات الربح حالياً لمعظم الشركات جذابة، وهنا لا نقيم السوق المالية من حيث حدة التذبذبات فيه بل بالقيم الاستثمارية، كما أن صدور أنظمة عديدة أهمها الرهن والتمويل وغيرها باتت مؤثرة من ناحية تنظيم السوق العقاري واتخاذه لمسلك يوفر مستقبلاً فرصاً للاستثمار، لكن بقيم عادلة تبنى على أسس علمية بتقييم الأصول العقارية، أي ستتدخل أطراف قوية لن تسمح بإقراض أي جهة أو فرد للاستثمار بأصول مرتفعة السعر، لأن ذلك سيضعف من جودة الأصول لديها، وستحاول أن تكون في وضع يجنبها المخاطر المستقبلية إا تعثر أي عميل لها بسداد قرضه، وكان الأصل مبالغ في سعره فسيؤدي لانتكاسات حادة قد تفلس معها هذه الشركات.
ولا يمكن إغفال ضعف قدرة الفرد على شراء المسكن لأن قيمها تجاوزت عشرة أضعاف دخله السنوي، وهو رقم بعيد عن المعيار العالمي الذي يرى بأنه لا يجب أن يتجاوز أربعة أضعاف وإلا ستدخل أسعار العقارات بمنطقة الفقاعة وهو ما يعد قائماً حالياً إذا أخذنا بهذا المعيار.
وأضيف لكل ما ذكر ارتفاع الشفافية بمعلومات السوق بعد أن بدأت وزارة العدل بتقديم معلومات عن حركة السوق والتي أظهرت تراجعات كبيرة بمبيعات الوحدات السكنية لا يمكن اعتبارها موسمية، بل هي قائمة على مقارنات سنوية وفصلية وترصد حتى حركة البيع اليومي، فالتراجعات زادت عن 40 بالمئة لبعض الفترات.
وإذا ما زادت معلومات السوق العقاري فإن الكثير من المعطيات التي ستظهر لن تكون في صالح أسعار العقار بالاتجاه التصاعدي بل ستكون داعماً أكبر لقوة التصحيح والذي يبدو أن الركود الحالي هو مقدمة صريحة له، لأنه مستمر منذ فترة تعد طويلة قياساً بفترات الركود المؤقتة.
فما ينظر له أنه يخدم تماسك العقار ليس إلا معطيات ضعيفة، فلو ذكرت قبل أعوام بالتأكيد ستعد قوية لدعم ارتفاع الأسعار كما حدث، لكن التمسك بها كأسباب حالياً لم يعد ذا قيمة، فكل العوامل التي ساعدت على ارتفاع الأسعار تبخرت حالياً، وهذه حقيقة واضحة للعموم، بينما ستبقى الإشكالية أمام الرأي القائل بتراجع الأسعار هو سرعة اتخاذ المزيد من القرارات الداعمة لتنظيم السوق العقاري، ويمكن حصر المشكلة أمامهم بأنها عامل وقت لا أكثر وذهب منه الكثير، لأن النفط تراجع وسياسات الإنفاق الحكومي المستقبلية ستكون مختلفة والركود قائم والتماسك بات هشاً وأن ما يباع لا ينفذ بسعر العرض بل بخصم عنه لا يقل عن 10 بالمئة، وأن المضاربات على العقار تراجعت بنسبة عالية أكلت معها الكثير من قيم أسعار الأراضي بأطرف المدن، وهي حقائق دامغة مما يقوي من حجة الطرف الذي يرى أن الأسعار ستدخل تصحيحاً قوياً.
العقار أحد أهم قنوات الاستثمار في أي اقتصاد، فهو إذا تحول لصناعة حقيقية كفيل برفع معدلات النمو الاقتصادي لدينا بنسبة عالية تغطي جزءاً كبيراً من تراجع أسعار النفط، فهو محرك لعشرات الأنشطة الاقتصادية ومولد رئيس لفرص العمل ومساهم كبير بتوطين المال بالاقتصاد، لكن إذا لم يكن بقيم عادلة ومنطقية فيصبح كارثة حتى لو تأجل أثرها السلبي على الاقتصاد لفترة إلا أن أي مدة أطول بعدم تنظيمه تكاليفها تكون أعلى اقتصادياًَ، ولذلك نرى التحرك الرسمي بات متنوعاً لحل مشكلة السكن والتي تهدف لتنظيم قطاع العقار مما يعني أنه تحت الترميم، ولا أحد يمكن أن يعيش في مكان يرمم.
وبعيداً عن كل الآراء فإن الأسواق عودتنا بأنها أكبر من الجميع وستتجه للقيم العادلة في نهاية المطاف.