إن الذي يميز العادات الاستهلاكية الحديثة من تلك التي كانت سائدة في عصور سابقة، هي أننا أكثر ثراءً من أسلافنا، وبالتالي فإن لنا تأثيرات أكثر تدميراً للبيئة, وليس من شك في وجود قدر كبير من الحقيقة في تلك النظرة، إلا أن هناك أيضاً سبباً في الاعتقاد بوجود قوى معينة في العالم الحديث هي التي تشجع الناس على التصرف إزاء رغباتهم الاستهلاكية تصرفاً كان نادر الحدوث من قبل.
وتوجد خمسة عوامل جديدة مميزة يبدو أنها تلعب دوراً في غرس الشهوات الجشعة في النفوس، وهي تأثير الضغوط الاجتماعية على المجتمعات البشرية والإعلانات، وثقافة التسوق والشراء، والسياسات المختلفة للحكومة، وتغلغل سوق الجملة في دنيا المنازل وفي الاعتماد الذاتي المحلي.
ولقد عبر مصرفي يعمل في وول ستريت لصحيفة نيويورك تايمز قائلاً إن القيمة الصافية تساوي القيمة الذاتية, بمعنى، أن قيمتك الحقيقية هي قيمة ما تملك من مال, وبناء على هذا التعريف يصبح الاستهلاك طاحوناً دواراً، حيث يقدر الناس حالتهم الاجتماعية بمدى غنى أو فقر كل واحد منهم.
وتؤكد البيانات السيكلوجية الصادرة من دول عديدة أن الرضا المستمد من المال لا يتحقق من مجرد حيازته، وإنما يتحقق من امتلاك أموال أكثر من الآخرين، ومن امتلاكها في هذا العام أكثر من العام الماضي. ولعل من الأمور الأكثر غرابة أن غالبية البيانات السيكلوجية توضح أن المقومات الرئيسية للسعادة في الحياة لا ترتبط بالاستهلاك على الإطلاق فمن أبرز هذه المقومات الرضا بالحياة الأسرية ثم الرضا بالعمل، ووقت الفراغ، والصداقات.
وفي استقصاء شامل عن العلاقة بين الرخاء والرضا، لاحظ جوناثان فريدمان أنه فوق مستوى الفقر، فإن العلاقة بين الدخل والسعادة ضئيلة على نحو ملحوظ. يقول آلان درنج لقد أصبح شراء الأشياء برهاناً على الاحترام الذاتي، ووسيلة للقبول الاجتماعي، أي علامة مميزة لما أسماه الاقتصادي ثورشتاين فبلن اللياقة المالية.
ولقد وجد إخصائيو التسويق وسائل تتزايد دوماً لترويج سلعهم فالإعلانات تذاع بواسطة أكثر من 10.000 محطة تلفزيون وراديو في الولايات المتحدة مثلاً، وهي تلصق على لوحات الإعلانات، وفي الملاعب الرياضية، وترسل حول الأرض من الأقمار الصناعية، وفي محطات مترو الأنفاق، على شاشات فيديو بعرض الحائط في الأسواق التجارية, والإعلانات تدلف إلى حجرات الدراسة وعيادات الأطباء ومواقع الإنترنت، وتوضع على لوحات المباريات الرياضية.
لقد أصبح الإعلان واحداً من أسرع الصناعات نمواً في غضون نصف القرن الماضي, ففي الولايات المتحدة مثلاً، ارتفعت مصروفات الإعلانات من 198 دولاراً بالنسبة للفرد الواحد في الخمسينات إلى 498 دولاراً في الثمانينات أي أنها تنمو بأسرع من الإنتاج الاقتصادي. كذلك فقد أدى تكاثر مراكز التسوق، بطريقة ملتوية، إلى تشجيع الإجبار على الشراء وكثير من النقاد يعتقدون أن تصميم ساحات المحلات التجارية، في حد ذاته، يشجع على التهور الاقتنائي.
إن الأهداف الاقتصادية الوطنية تبنى صراحة على أن الأكثر هو الأفضل وعلى سبيل المثال تشير الإحصائيات الوطنية إلى الناس بوصفهم مستهلكين لا مواطنين في أغلب الأحوال ولما كانت السياسة الاقتصادية تبنى على نظام الاقتصاديات الحديث فإنها تعتبر الاستهلاك المفرط والمحموم بمثابة نمو صحي.
وجدير بالذكر القول بأن صناعة الإعلان تعتبر عدواً لدوداً للبشر فهي تتغلغل في كل أرجاء العالم، ولكنها تكون قابلة للانتقاد حينما تلح على سلع تعرض الحياة الإنسانية للخطر، والإعلانات عن السجائر ينطبق عليها هذا القول، ولذا ينبغي أن تلغى من التليفزيون في كل أرجاء العالم.
والخلاصة، فإن كبح الذات سوف يكون قليل الأثر ما لم يقترن بخطوات سياسية جريئة في مواجهة القوى المشجعة على الاستهلاك إضافة إلى الدعوة المتكررة للإصلاحات البيئية والاجتماعية اللازمة لتحقيق أهداف متواصلة، مثل ترشيد أنظمة الطاقة، وموازنة النمو السكاني، وإنهاء الفقر يلزم اتخاذ إجراءات للحد من الإفراط في الإعلان، وكبح ثقافة التسوق، وإلغاء السياسات التي تدفع إلى الاستهلاك إننا، يمكن أن نكون أكثر سعادة، لو كان استهلاكنا أقل.