من عجائب التاريخ الإسلامي، أن عبدالرحمن بن ملجم، قرأ القرآن على معاذ بن جبل، وكان من العبّاد، وقيل فيه، إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثاني الخلفاء، ورابع المبشرين بالجنة، كتب إلى واليه بمصر، عمرو بن العاص بأن يجعل لعبدالرحمن بن ملجم داراً قريبة من المسجد بمصر، ليعلّم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، منفذاً بذلك أمر الخليفة، ثم بعد كل هذه التزكية والمكانة، يقوم بقتل رابع الخلفاء، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسبب وقعة النهروان، فأي جنون هذا؟
هكذا كان تاريخ الخوارج، أو الحرورية، نسبة إلى مكان يسمى حروراء، خرجوا إليه، معتزلين جيش الخليفة، ومحاربين له، وهي أحداث معروفة ومدوّنة في كتب التاريخ، ليس هنا مجال للتوسع فيها... لكن العجيب هو أن يتحول الإنسان بهذا الشكل المضاد تماماً، ويكفّر المسلمين بعد أن كان مؤمناً يعلمهم القرآن والفقه!
ما حدث في جديدة عرعر، بوابة البلاد نحو الشمال، تحديداً في مركز سويف الحدودي، من غدر جبان، يؤكد خروج هؤلاء، وتكفيرهم لعموم المسلمين، وقتالهم في جنح الظلام، والغدر بهم، مما يعني أنه يجب عدم التهاون بهؤلاء، أو التحاور معهم، فمن يحمل الأحزمة الناسفة والقنابل اليدوية، وقبل كل هذا يحمل فكراً خارجياً يكفّر المسلمين، ويرى أن محاربتهم وقتلهم هي من الجهاد في سبيل الله، لا يمكن الوثوق به أبداً، وهو لا يختلف في ذلك عما ورد من حوادث في التاريخ الإسلامي!
هذا التلويث الفكري، الذي يحول الإنسان بهذا الشكل، ويجعله أداة لقتل مسلمين موحدين، يسهرون على ثغر دولة وأرض مسلمة، وهو يظن أنه بذلك العمل الجبان يتقرّب إلى الله، هو ما تجب محاربته، فما يفعله هؤلاء من استبسال في نشر فكرهم، على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر حسابات وهمية متطرفة هو ما يجب التصدي له بقوة، فمن المحزن أن هؤلاء من أبنائنا، وكنا ننتظر أن يكونوا علماء وفقهاء ومهندسين وأطباء، بل وجنود يحمون بلاد الحرمين الشريفين، ثم نفاجأ بأنهم ذهبوا إلى مناطق النزاع في الدول المجاورة، ولا يكتفوا بذلك، بل يتحولوا إلى سهام مسمومة، تحاول أن تنتهك أمن هذا الوطن، وتمس حدوده!
حمى الله بلادنا، من شمالها الأشم، إلى جبال جنوبها الشامخ، ومن ساحل شرقها إلى غربها، وحفظ الله رجالنا الصابرين المرابطين على الحدود، شمالاً وجنوباً، ورحم الله شهداءنا الشجعان في جديدة عرعر، الذين وقفوا للجبناء المتسللين، وألهم ذويهم الصبر والسلوان.