عصابة دموية تحاول أن تزرع في أرضنا الخراب، تحاول أن تلوث أجواءنا بالرماد، عرعر فجنا الشمالي الأنيق، أرض الطهر والبياض، يحاولون أن يلوثوا عطرها بالسموم، هم في الهلاك معا، مرضى ومجانين ولصوصا وقتلة وكتاب أوهام،
ودعاة فتنة، ومنظري بلاء، الدم الذي يجري في عروقهم صار أسود، لكثرة الأحقاد التي ضُخت في شرايينهم، فئران في مختبر، وحشرات ميتة على جثث منسية، يحتشدون على البغض والجهل والغباء، قواربهم ضائعة، وأحصنتهم مريضة، وسيوفهم مثلومة، يبدون مثل أشباح في ظلام دامس، الفكر عندهم ليس له بريق، ونفسهم غير طويل، وصبرهم ينفذ، سرابيلهم مستعارة من قطران، وعقولهم فارغة، وأجسادهم كخشب مسندة، وشعورهم مثل غزل البليدة التي لا تجيد الحياكة، مَن يصدق أن القتل العشوائي المفتوح عندهم لا يقبل النقاش والتبيان والإظهار، أعمالهم دموية موادها القبح والجنون، كان الليل الشمالي يغص بالهدوء، وكان الحراس الأشاوس مفتوحي العيون، وكانت البلاد قد استعارت من الجنود الفولاذيين أمنها، جنود وضباط وممركبات وجرس إنذار ومؤذن صباحي وتلال وسياج، وكان اللصوص المجانين يتنفسون بشكل متقطع، وضعوا رصاص بنادقهم في مخازن الخبث والغدر والدجل، كانوا يحملون بنادقهم الغادرة، من فيافي البيد إلى عرعر مرورا بسويف، كانت رائحة الدم تزكم أنوفهم، يريدونها حفلة شواء بشرية غادرة، اختاروا عرعر هذه المرة كونها تسكن القلب طوعاً باعتبارها الأرض التي تزرع الوفاء، ولم يكن الغدر واحدا من مقتنيات خيالها الراقي، فجأة يحولها الأغبياء إلى أرض للرعب، يريدونها أن تصبح مثل أرم ذات العماد، لكنها ستبقى خالدة في المادة وفي المعنى، وهي مدينة بألف مدينة مما يعدون، إن المسافة التي يقيس بها هؤلاء القتلة، لا تقاس عندهم بالخطوات، بل بالجثث والقبور والقنابل، ضمائرهم ميتة، وأحاسيسهم بليدة، الخيال عندهم أسود، والرؤى معتمة، والعقول فارغة، والكذب عندهم يفرخ عالماً من صور الجحيم، والدروب المقفرة، ويتباهون بالهلاك، عارهم في عرعر لن يُمحى حتى لو جاؤونا بوردة وفراشة وعشبة يانعة، وحتى لو شقت فؤوسهم الأرض وزرعوا لنا حباً وزيتوناً وقمحا ونخلا، لن يمحى عارهم، عارهم لن يمحى، لأن عيوننا أصبحت تحرقان حين تنظران إليهم بغضب، ولأننا لا نزال نقف بتوازن على نصل السيف بعد أن تعرفنا على كلفة الحق، بل وأيضا لأن أعمالهم العبثية الغادرة لن ننساها إلى يوم القيامة، لن ندعهم يكسبون مقاماً محموداً، وسنكون لهم كابوساً لن يستيقظوا منه، حتى أطفالنا سيولدون حادين ضدهم مثل السيوف الصقيلة، أطفالنا لن يكونوا ضدهم أطفالاً، ولن يولدوا لكي يجبنوا أمامهم، ولن يمشوا سنتمترا واحدا خارج حدود الوطن حتى يصيرا كعزرائيل يتلف حول أرواحهم المكفهرة البائسة، سيكون أطفالنا هم إرثنا، وحديقتنا اليانعة، ومستقبلنا، وحضارتنا، سيكتبون كل صباح على اللوح في قاعة الدرس، نحن حماة الديار، ضد كل الكائنات الصغيرة التي تشبه البشر، لكن بنصف رأس، بربع عقل، بعين واحدة، بفم سمكة، بأورام خبيثة بالجسد، عرعر مدينة هادئة حد التخثر، أراد العابثون الحمقى أن يحولوها إلى ممر نحو الخراب، ما كان في إمكانهم أن يتخيلوا شكل الفعل، وصاعقة الرد، حينما أرادوا أن يضعوا أقدامهم في أرضها الطاهرة، لقد فطسوا مثل جيفة، ومحيت آثارهم، أن عرعر والشمال كله سيكون مقبرة للغزاة العابثين، هذا ما فهمه العابثون، وأن فعلوا سيدفعون ثمن التمرد غاليا، الموت والخراب والفناء لا يزال مقيماً في نفوسهم، باعتباره ذلك مفردات في معجم حياتهم اليومية، لكننا سنقول لهم ما يجهلونه، بأننا ولدنا لكي نموت دفاعاً عن أرض الوطن، شبراَ شبراً، بل سنتمتراً سنتمترا، وسنكون أعداء لكل من يتباهى بغدرة وعاره وحمقه وإسرافه بالجنون.