لا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة عن قيام فرد أو مجموعة بأحد الأعمال الإرهابية التي تبعث الرعب وتثير الفزع وتروع الآمنين في أوطانهم.. تقتل الأبرياء وتدمر الممتلكات العامة والخاصة.. ورغم الجهود الداخلية والدولية الكبيرة التي تبذل للقضاء على هذه الظاهرة التي أرَّقت شعوب وحكومات العالم إلا أنها لم تأتِ بنتائج مريحة بل نجد دائرتها تزداد اتساعاً وتمدداً وعملياتها تتنامى عنفاً وخطورة..
فبعد أن كانت العمليات الإرهابية تتم في مناطق محدودة ووفق أساليب تقليدية ومخلفة خسائر محدودة في بعض المنشآت وضحايا بشرية قليلة العدد أصبحت في وقتنا الحالي تتم بطرق بالغة الدقة والتطور مستفيدة من وسائل التكنولوجيا الحديثة لتحقيق مآربها فأضحت بذلك تخلف خسائر جسيمة تكاد تعادل خسائر الحروب المعتادة سواء في الأرواح أو الممتلكات والمنشآت وحتى وقت قريب كانت العمليات الإرهابية عادة ما تستهدف الطائرات المدنية واختطاف الأفراد أو أخذ رهائن من شخصيات سياسية أو دبلوماسية بارزة أو القيام بأعمال لا تحتاج إلى مهارات لكنها تخلف خسائر مادية وضحايا بشرية.. واليوم تصاعدت المخاطر وأصبحت الجماعات الإرهابية تستغل كل ما من شأنه أن يمكنها من تنفيذ عملياتها ولو على حساب الأبرياء.
لا جدال بأن للإرهاب صوراً وأنواعاً كثيرة إلا أن أسوأها وأفدحها خطورة تلك التي تلبس لبوس الدين الإسلامي غاية وهدفاً لبث الرعب والذعر وتنفيذ إجرامها ومجازرها.. ولعل أخطر إرهاب نواجهه اليوم هو إرهاب التنظيم الداعشي وأخواتها من تنظيمات إرهابية بمختلف مسمياتها.. والتدقيق في ظروف تمددها الجغرافي واتساع نطاق عملياتها الإرهابية وما نلمسه من ازدياد في أعداد الضحايا وتوطيد العلاقة بين المنظمات الإرهابية المختلفة لمساندة بعضها البعض في تنفيذ أعمالها الإجرامية يثبت أن ثمة تراخٍ في مواجهتها وأن التحالف الدولي لم يتمكن من محاصرتها والقضاء عليها.
ومن المفارقة أنه في الحقب الماضية ثمة العديد من صور الصراعات وصلت إلى حد مما نطلق عليه في عصرنا الحالي بالإرهاب.. لكن وبصرف النظر عما ينتج عنها فقد كانت محاولات لتحسين نمط الحياة البشرية ودفعها نحو الأفضل.. أما اليوم حيث ظهرت التنظيمات المتطرفة والجماعات التكفيرية ومنظمات الإرهاب كداعش وأخواتها التي تشترك جميعها في صور يطغى عليها بث الرعب والذعر بين الجماعات التي تستهدفها وجز رؤوس من يخالفها الرأي فالأمر مختلف أقله.. محاولات للعودة بالعالم البشري إلى عصور ما قبل التاريخ وبنظرة سريعة على كل الجهود المرتبطة بمكافحة ظاهرة الإرهاب سواء في صورها القانونية أو الاتفاقيات الدولية أو حتى في صورها الميدانية.. نلاحظ أن جلَّ الجهود تتخذ الطابع العلاجي بمعنى أن المكافحة تأتي وتنصب على ما بعد الحادث الإرهابي بل حتى تلك الجهود الضئيلة المرتبطة بالمعالجة الوقائية لا تخرج عن كونها معالجة أمنية فقط.
جسامة الأعمال الإرهابية وتمددها في مساحات جغرافياً الأرض أرَّقت الشعوب والحكومات وصنَّاع القرار ما يجعلهم يطرحون السؤال المعتاد (من.. وكيف) وذلك عقب كل عملية إرهابية من قام بهذه العملية الإرهابية وكيف قام بها؟ وبالتالي يُهْمَل سؤال مهم يتجسد في صيغة (لماذا) للبحث عن السبب (لماذا قام بهذا العمل).
مكافحة الإرهاب تتطلب وقفة جدية يتكاتف فيها الجميع من مثقفين وتربويين ومفكرين.. من سياسيين ورجال أمن وجميع أفراد المجتمع وذلك لبلورة الأساليب والسبل الناجعة والفعالة للوقوف على مسبباته في صوره المتعددة والمتباينة للوقاية من تداعياته قبل الخوض في العلاج.