قصر الحمراء، أو القلعة الحمراء، ارتبط اسمها بغرناطة الاسبانية، والتاريخ الإسلامي في تلك البلاد الذي استمر نحو ثمانمائة عام، انتقل خلالها الكثير من إنتاج الحضارات القديمة إلى أوروبا، فحققت هذه القفزة العلمية إلى أن امتدت إلى بقاع الأرض الأخرى. وتاريخ الحمراء يرجع إلى القرن الرابع الهجري أيام كانت الدولة الإسلامية تسيطر على مساحة كبيرة من اسبانيا، وكانت في بداية الأمر قلعة صغيرة سميت بالقلعة الحمراء، وكان لها مكانة أيام الحروب الأهلية بين المولدين، وهم ذوو الأصول الأندلسية المختلطة، وبين البطون العربية العريقة، وقال شاعر تلك الحقبة، وهو عبد الله العبلي:
وفي القلعة الحمراء تبديد جمعهم
وفيها عليهم تسير الوقائع
ولما تولى باديس بن حبوس زعيم البربر المشهور وصاحب الشاعر السميسر، اتخذها قاعدة لملكه أيام عصر الطوائف، وذلك في أوائل القرن الخامس الهجري، وبنى حولها سوراً ضخماً وجعلها قاعدة لحكمه، ومركزاً لحكومته ولم يغير اسمها، واتسعت رقعتها وتوسعت مساحتها مع مرور الزمن.
عندما تولى محمد بن الأحمر حكم غرناطة بنى بها قصره وذلك عام ستمائة وخمسة وثلاثين هجرية، وسمّاه بقصر الحمراء، ونظراً لأن اسمه ابن الأحمر، فقد ظن البعض أن اسم قصر الحمراء قد جاء من اسم بني الأحمر، وهي الأسرة العريقة التي حكمت غرناطة نحو مئتين وخمسين عاماً بعد سقوط معظم مدن الأندلس وقلاعها المترامية في اسبانيا والبرتغال، وهناك من يرجع اسم قصر الحمراء إلى احمرار أبراجه الشاهقة، أو إلى لون الآجر الأحمر اللون الذي بنيت به أسوار القصر الخارجية، وهناك من يرجع التسمية إلى لون الشموع الحمراء التي كانت تشعل ليلاً أثناء البناء، لينتشر لونها الأحمر المشع على سفوح الجبال المحيطة بها.
وبناء الحمراء تم على مراحل أثناء حكم بني الأحمر، فبعد المؤسس محمد بن الأحمر زاد في البناء ابنه الفقيه في القرن السابع الهجري وأنشأ حفيده مسجداً جميلاً، وقد أقيم عليه الآن كنيسة سانتا ماريا، والواقع أن البناء الأكبر للحمراء تم في عهد إسماعيل، وابنه أبي الحجاج يوسف الذي يعتبر الباني الحقيقي للحمراء لجمالها الأخاذ، ورونقها الرائع، وهو الذي أقام مدخل القصر الرئيس الذي سمّاه باب الشريعة، وهو يحمل اسمه وتاريخ بنائه عام 749 هجرية، ولا ننسى الزيادة التي قام بها محمد الغني بالله بن يوسف، وهذا الحاكم هو صاحب الوزير والشاعر والناثر والمؤلف لسان الدين ابن الخطيب، الذي وزره، وبعد ذلك قتله بحجة الزندقة بسبب المنافسات داخل القصر.
بعد سقوط غرناطة بما فيها الحمراء في يد النصارى الأسبان، نسجت الكثير من الأساطير الأسبانية حول الحمراء، ومنها أن محمد الغالب بالله ابن الأحمر كان ساحراً وأنه استعان بالشياطين والجن والسحرة لبناء قصر الحمراء وحصنها، ولهذا فإن جدرانها وأبراجها استطاعت الصمود أمام الطبيعة مدة طويلة، وأن التعاويذ والطلاسم تحمي الحمراء من الشرور، وأنها لن تنهار حتى يميل جزء منها بفعل الشياطين فتنهار دفعة واحدة، وتظهر جميع الكنوز التي أودعها المسلمون في أعماقها، كما تقول الأسطورة الأسبانية النصرانية أن المسلمين قد وضعوا كنوزهم في قصر الحمراء وتركوا الشياطين تحميها حتى عودتهم، لأنهم يرون أن خروجهم لن يطول، كما تذكر الأسطورة أن هناك جنداً وفرساناً من مردة الشياطين والوحوش التي تسهر في الخفاء على حمايتها.
وتقول الأسطورة أن برج السباع المقام في قصر الحمراء كان مسرحاً دموياً لمصرع بعض أبناء بني الأحمر، الذين يتنافسون على الحكم، أما بهو بني سراج الواقع في القصر، فهو المكان الذي قتل فيه بني سراج الأسرة الأندلسية العريقة التي ظهر دورها الكبير في عصر بني الأحمر، وتقول الأسطورة أن عميدهم محمد بن سراج قد هام بحب بنات أحد السلاطين فقرر إبادتهم، ودعاهم إلى القصر واحداً واحداً وكان كل من دخل القصر أمر مساعديه بقتله حتى قضى على معظم هذه الأسرة العريقة، ولهذا سمي بهو بني سراج، وأن أثراً من دمائهم مازال في بركة من برك البهو، وأن بكاء وأنين أرواح بني سراج مازالت تسمع في المساء، وأن قعقعة السلاح مازالت تدوي بين الفترة والأخرى. وهناك قصص تقول إن بعضاً من الغيد الحسان والغلمان قد أعدموا، وأن أحد السلاطين قد سجن بناته الثلاث في أحد الأبراج، ولا يسمح لهن بالخروج إلا ليلاً للمشي حول بعض التلال تحت مراقبة الحراس، وأنهن ما زلن يظهرن في القصر في الليالي المقمرة وقد امتطين جيادهن، ويسطع حليهن تحت أشعة القمر فيبهر الألباب، فإذا حاول إنسان أن يخاطبهن أو يزعجهن، اختفين في جنح الظلام.
هكذا هي الأساطير حول كل بناء مشهور، أو عمل مشهور، وأيضاً نجد هذه الأساطير حول المشاهير من البشر حتى عصرنا هذا، بل ربما زادت عند بعض الشعوب التي لم تنل جزءاً من العلم.