إن هبوط أسعار النفط لا يقلقنا، فالأمر ليس سياسة، وليس حرباً مع آخرين، فالمملكة منذ سنوات فكّت علاقة النفط بالسياسة، لكن الصحافة العالمية متشائمة، وتثير الشبهات حول انخفاض أسعار النفط، وترى بأن انخفاض الأسعار له سلبياته على اقتصادنا الوطني، لكن السعودية دائماً تحتاط كي لا تحدث المفاجآت والمخاطر غير المحسوبة، ولديها اقتصاد قوي ومتين، وإمكانية كبيرة لتحمُّل الأزمات، وبخاصة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها أسعار النفط، وركود الاقتصاد العالمي.
الملاحظ أن أسعار النفط قي الأعوام السابقة استقرت فوق معدل 100 دولار للبرميل، ويتداول النفط في أمريكا في عقود مستقبلية تمتد بعضها لعشر سنوات، فعلى سبيل المثال كان يتم تداول برميل النفط على تاريخ ديسمبر 2024م بحدود 100 دولار، وفي نظري أن تراجع أسعار النفط هو مرحلة مؤقتة، ودورة سعرية من دورات أسواق النفط العالمية، وأن أسباب انخفاضه تعود إلى زيادة العرض، وضعف الطلب، وركود وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
أسعار النفط لن تهدأ خلال الأعوام القادمة، وربما تعاود ارتفاعاتها متحدية كل الجهود التي تبذلها الدول المتقدمة في البحث عن مصادر بديلة عن النفط، كما أن الدراسات تؤكد أن استهلاك النفط سيزداد في الأعوام القادمة، ونستطيع أن نقرأ توقعات الاقتصاد العالمي للعام الجديد 2015م وما بعده، حيث نستقيها من دراسات، ومصادر دولية متعددة تعطي مؤشرات عن إمكانية استمرار الارتفاع مع نمو معدلات الاقتصاد العالمي.
التخطيط لا يمضي قدماً دونما توفر له الأرضية والأسباب، وفي الأوقات الاضطرارية والحرجة تطرأ تعديلات على الخطط المالية، والاقتصادية والإستراتيجية لتجاوز الأزمات، وكل التوقعات تشير إلى أن هذا الهبوط سيقابله ارتفاع خلال السنوات القادمة، بعدما يُعادل السوق نفسه ويستعيد توازنه، وسيكون الطلب على النفط كبيراً، فجميع دول العالم تراقب أسواق النفط عن كثب، وتراقب التطورات، وتنظر إلى التحولات، والتقلبات الاقتصادية العالمية عن قرب.
الأزمات المالية والاقتصادية قد تجد حلولاً وقد تتغير أسعار النفط، لكننا نتحدث عن السنوات القادمة، وعن التخطيط الاقتصادي، والإستراتيجي للمستقبل، ونحن نعرف بأن القائمين على إدارة المؤسسات المالية والاقتصادية، والتخطيط في بلادنا ربما تنقصهم بعض الكوادر البشرية المؤهلة والتخطيط المسبق لدخول هذا المضمار، لكن أمن الدول واستقرارها بات يُؤسس على حجم اقتصادها الوطني المبني على الدراسات، والبحوث المستقبلية، واستقطاب الكفاءات الوطنية لإدارة اقتصادها، والعمل على تجاوز المخاطر والأزمات.
لذا، يُفترض من صنّاع القرار في بلادنا دعم الدراسات والبحوث الإستراتيجية، والاقتصادية التي تؤدي إلى تنوع الاقتصاد السعودي، ودعمه بدماء جديدة، وكفاءات وطنية مؤهلة قي التخطيط والمال والاقتصاد تستطيع أن تؤسس للمستقبل، وقادرةً على قراءة مستقبل اقتصادنا الوطني وأسعار النفط المجهولة، والعمل على دعم وبناء رأس المال المنتج، وبناء اقتصاد سعودي قوي ومتين مبني على الإنتاجية، مثل بيع النفط كمشتقات بدلاً من الخام، ودعم التصنيع، وإنشاء شركات عملاقة، وبناء مدن صناعية ذات تقنية عالية وحديثة.
نحن معنيون أكثر بالتطوير، والتنويع في مواردنا الاقتصادية، فالاقتصاد العالمي كان يمر بالانتعاش العام، ثم بدأ بمراحل الركود، والمتوقع أن يأتي بعد الركود انتعاش، وفي كل دول العالم المتقدم هناك مؤسسات للدراسات الإستراتيجية، تقرأ وتحلل الأحداث الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية للعام الجديد، وتضع الحلول والرؤية المستقبلية المحتملة للأعوام القادمة، هذه التنبؤات، والتوقعات قد تكون ضمن تصور إستراتيجي وطني مفيد، نتمنى من المشرفين على اقتصادنا الاستفادة منها.
ونهمس في آذان صنّاع القرار في بلادنا إلى أن هذه الأزمات تتطلب التوقف عند النجاحات العالمية لنستفيد منها كما تفعل الدول الأخرى، ولعل اقتصاد اليابان وسنغافورا وكوريا الجنوبية، وماليزيا حرية بالاتباع في ظل إمكاناتنا الضخمة، فيجب ألا يظل اقتصادنا أحادي الجانب بقدر ضرورة التفكير بالمشروعات الاقتصادية المتنوعة، والإستراتيجية العملاقة، ولنرى كيف جعلت هذه الدول أن لها ثقلها الاقتصادي والعالمي.