الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حذَّر عدد من المسؤولين والمختصين في العلوم والدراسات القرآنية من انتشار برامج وتطبيقات إلكترونية، تتضمن تحريفات في نصوص القرآن الكريم، وأشاروا إلى أن هذه الهجمة التي يقوم بها بعض الحاقدين على الإسلام قابلها ردود من قِبل المؤسسات والهيئات القرآنية المتخصصة والمواقع الإسلامية وبعض الجهود الفردية الغيورة، لتصحيح الصورة القاتمة التي أنتجتها الأخطاء والتحريفات في نصوص القرآن الكريم وقراءاته، وطالبوا باستثمار الفضاء الإعلامي بشتى صوره، لمواجهة الصورة الخاطئة التي ولدتها هذه التحريفات، واستغلال شبكة الإنترنت من خلال النَّشْـر المكافئ فيها عبر المواقع المتخصصة، وتقديم البديل الصحيح من التطبيقات القرآنية، لتبديد الصورة السلبية التي تم نسجها عن القرآن الكريم من خلال التطبيقات المحرَّفة.
وفيما يأتي أحاديثهم:
الصورة الخاطئة
يؤكد الدكتور. محمد سالم بن شديِّد العوفي، الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، أن شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) تعدُّ من أهم الوسائل المتاحة لتطبيق التقنيات الحديثة نظراً لإمكاناتها الهائلة في الاتصال ونقل المعلومات، ولما تمتاز به من سرعة الزمن وقلة التكلفة حتى إلى أبعد الأماكن على وجه المعمورة، فضلاً عما وفرته من جو تعليمي لدى عدد من الدارسين بشتى فئاتهم العُمْرية، إضافة إلى أن (الإنترنت) غدا المصدر المفضل والأكثر استخداماً للحصول على المعلومات عند شريحة كبيرة جداً في المجتمع.
ومع عموم هذه الوسيلة في الاتصال وتبادل المعلومات دخلها المصلح والمفسد، والتطبيقات القرآنية المفيدة، وتطبيقات دخلها التحريف والخطأ.
ولا شك أن هذه الهجمة قابلها ردود متباينة مشكورة من قِبل المؤسسات والهيئات القرآنية المتخصصة، ومن قِبل المواقع الإسلامية وبعض الجهود الفردية الغيورة لتصحيح الصورة القاتمة التي أنتجتها الأخطاء والتحريفات في نصوص القرآن الكريم وقراءاته.
نشر التوعية
ويوضح د. العوفي السبل التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذا السيل الداهم، وذلك وفق النقاط الآتية:
1- استثمار الفضاء الإعلامي بشتى صوره لمواجهة الصورة الخاطئة التي ولدتها هذه التحريفات.
2- العمل على استغلال شبكة الإنترنت من خلال النَّشْـر المكافئ فيها عبر المواقع المتخصصة، وتقديم البديل الصحيح من التطبيقات القرآنية لتبديد الصورة السلبية التي تم نسجها عن القرآن الكريم من خلال التطبيقات المحرَّفة.
3- تأهيل المستخدم للتمييز بين البرامج والتطبيقات الجيدة والمسيئة, وذلك بإيقاظ وازع الرقابة الذاتية واستحضار تقوى الله.
4- نشر التوعية لدى المستفيدين، وتشجيع الدوافع الذاتية لديهم بأهمية التحري عن البرامج والتطبيقات التي تحتوي على النص القرآني، وعدم المسارعة أو المبادرة بتنزيل أي منها على أجهزتهم إلا بعد التوثُّق من مصدر البرنامج والتطبيقات.
5- توفير البدائل المناسبة من البرمجيات التي تتوافق مع مختلف أنواع الأجهزة، شريطة أن تكون هذه التطبيقات والبرمجيات صادرة من جهة موثوقة، تحرص على تحري الدقة التامة في مراجعة النص القرآني قبل نشـره والسماح بتداوله.
6- التنسيق بين الجهات المعنية لتنفيذ المهام والمسؤوليات ذات العلاقة في هذا الشأن، واقتراح الإجراءات اللازمة لذلك.
7- قيام اللجان الدعوية المختصة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وغيرها بالتوعية المناسبة في هذا الموضوع.
مبادرات بارزة
وعدَّد د. العوفي المبادرات الآتية لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في هذا الجانب، فمن ذلك:
(1) نشر مجموعة من مواقع الإنترنت التي تخدم القرآن الكريم وعلومه، بلغ عددها (14) موقعاً، تشرَّف المجمع من خلالها بالعناية بالقرآن الكريم من حيث قراءته, وتحفيظه, والاستماع إليه بتلاوات مسجَّلة متقنة بروايات عدة، ونشر علومه وتفسيره وترجمة معانيه.
(2) إنتاج برنامج مصحف المدينة النبوية لأجهزة الحاسوب الكفي.
(3) إطلاق تطبيق مصحف المدينة النبوية على نظام (ويندوز فون)، ونظام (ويندوز 8) و(ويندوز 8.1) على منصة تطبيقات شركة ميكروسوفت العالمية (متجر ويندوز فون)، ويشمل نص «مصحف المدينة النبوية» كاملاً برواية حفص عن عاصم، ويدعم اثنتي عشـرة لغة، هي: العربية، والإنجليزية، والإندونيسية، والأردية، والفارسية، والتركية، والإسبانية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والسواحيلية، والهوساوية.
(4) قام المجمع لكونه المرجعَ الموثوق به والرائد في خدمة القرآن الكريم وعلومه، بناء على التوجيه السامي، بدوره في الرقابة على المنتجات الإلكترونية, وتقديم البدائل الرقمية الموثوق بها.
(5) إطلاق نسخة رقمية من صور الإصدارات مخصصة لأجهزة (آي باد وآي فون). وتتيح هذه الخدمة للمستخدم إمكان تصفح إصدارات المجمع بجودة عالية، تمكنه من قراءة النص القرآني بوضوح يضاهي قراءة النص من النسخة الورقية المطبوعة.
(6) تعليم القرآن الكريم بالتوجيه الصوتي: هو طريقة مبتكرة لمساعدة ذوي الإعاقة البصرية وغيرهم، ممَّن يعانون من صعوبة قراءة النص القرآني لتسهل الوصول إلى المحتوى الخاص بتعليم القرآن الكريم من خلال التوجيهات الصوتية على المستخدم، التي تساعده على تصفح الموقع والاستماع إلى أي سورة من القرآن الكريم من خلال الاستماع إلى العبارات الصوتية المرتبطة مع لوحة المفاتيح وتحركات مؤشر الفارة على متصفح الإنترنت.
(7) إصدار الصيغ الرقمية للمصحف الشريف، وهو مبادرة من المجمع نحو توحيد طرق التعامل مع القرآن الكريم نصاً وبرمجة، ويهدف إلى القضاء التدريجي على ظاهرة التعامل مع نصوص من القرآن الكريم المجهولة المصدر، التي قد تحتوي على بعض الأخطاء.
(8) إتاحة نسخة رقمية من مصحف المدينة النبوية للاستخدام العام تلبية لحاجة المسلمين في أرجاء المعمورة؛ للحدِّ من ظاهرة انتشار الكثير من المصاحف المطبوعة وغيرها، التي تحتوي على أخطاء في طريقة كتابة النص القرآني. فقد بادر المجمع بإتاحة نسخة رقمية كاملة من مصحف المدينة النبوية المطبوع في المجمع، برواية حفص.
(9) بادر المجمع إلى إنتاج خط الرسم العثماني (حفص) لدعم بيئة البرمجيات الإسلامية بخطوط حاسوبية لنص المصحف الشـريف بالرسم العثماني الموافق لمصحف المدينة النبوية، على هيئة TTF مدققة وخالية من الأخطاء، يسهل تداولها واستخدامها في البرمجيات والتطبيقات الحاسوبية ومحررات النصوص ومواقع الإنترنت ونحوها، لكتابة نص المصحف الشريف المطابق للرسم العثماني لمصحف المدينة النبوية برواية حفص عن عاصم.
(10) إنتاج برنامج مصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي: وهو أداة حاسوبية تستخدم في البحث عن نصوص الآيات القرآنية في المصحف، وكتابتها بخط الرسم العثماني (المطابق للرسم المستخدم في مصحف المدينة النبوية) في برامج النشر المكتبي.
(11) إبرام عقد مع إحدى الشركات المتخصصة لإنتاج برنامج مصحف المدينة النبوية لأجهزة (أندرويد)، يحتوي على روايتين (حفص وورش)، ومجموعة من كتب علوم القرآن الكريم وترجمات معانيه.
(12) إنتاج برنامج المصحف المعلِّم الناطق الذي يهدف إلى المساعدة على تعليم تلاوة القرآن الكريم للأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة من فاقدي البصر، أو أصحاب الشلل، أو الإعاقة المستديمة، وتقديم تفسير القرآن الكريم وغريب ألفاظه صوتاً ونصاً بصورة سهلة، تقرب معاني كلام الله تعالى لعامة الناس، وتقريب أحكام تجويد القرآن الكريم صوتاً ونصاً بطريقة مبتكرة ميسرة، مع أسئلة تدريبية، وإتاحة ترجمات معاني القرآن الكريم صوتاً ونصاً لغير الناطقين بالعربية، وإعانة الراغب في حفظ شيء من القرآن الكريم المستخدم، وإمكان إدراج علامات مرجعية تساعد على معرفة آخر تدوين ملاحظة نصية عليه.
البرامج المجهولة
وبيّن الدكتور عبدالله بن علي بصفر، الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، أن الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم تلقت في الفترة الأخيرة عشرات الرسائل على بريدها الإلكتروني وحساباتها في وسائل التواصل، كلها تشكو من وجود أخطاء وتحريفات في بعض آيات القرآن الكريم على شبكة الإنترنت، وتطبيقات القرآن الكريم المحرفة على متجر الموقع التسويقي «Apple Store- Google Play» وغيرهما؛ وتم عرض الموضوع على المجلس العلمي بالهيئة، الذي يرأسه فضيلة الشيخ الدكتور أيمن رشدي سويد، ومعه مجموعة من العلماء المتخصصين في القرآن الكريم وعلومه، وأصدروا بياناً حول هذه المواقع والتطبيقات المحرفة موجوداً في موقع الهيئة الإلكتروني www.hqmi.org، وخُلاصته: إنه من باب النُّصح لكتاب الله تعالى والدفاع عنه، فإن الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم تُهيب بجميع المسلمين تحرِّي الدِّقة والحذر من هذه البرامج والتطبيقات المجهـولة المصدر، ويجب التيقُّن من الملفات التي نقوم بتحميلها بأن تكون لجهاتٍ أو شخصياتٍ قرآنية معروفة وموثوقة، ويجب أيضاً على الشركات والمؤسسات التقنية المتخصصة في هذا المجال أنْ تقوم بمراجعة دقيقة لمحتوى المواقع والتطبيقات القرآنية من قِبل لجانٍ متخصصة بالقرآن الكريم وعلومه.
تحريف لبعض الآيات
وتستهل د. أمل الغنيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حديثها بقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَافِظُونَ} الحجر (9). لقد حاول أعداء الإسلام تحريف القرآن الكريم بشتى الوسائل، ومع دخول التقنية الحديثة، واستخدام البرامج التي تساعد وتيسر حفظ القرآن وتلاوته، تسرَّب إلينا من بعض المواقع الإلكترونية نسخ فيها تحريف لبعض الآيات، إما بنقص حرف أو زيادته، أو بنقص كلمة، أو تقديم وتأخير.. ومهما حاولوا فإن الله تعالى قد وعد بحفظه، ووعد الله حق لا شك فيه، فأي تحريف سيُكشف، بل يزيد المؤمنين تمسكاً ودفاعاً عن كتاب رب العالمين؛ فهو معجزة الله الخالدة المحفوظة إلى قيام الساعة.
ومن أمثلة التطبيقات القرآنية المحرفة على الأجهزة الذكية في متجر المواقع التسويقية تطبيق محرف للقرآن الكريم على متجر (أبل ستور) باسم (القرآن) ومسجل باسم مطوره (A.S.H) اليهودي، الذي وضع على غلافه افتراءً (مصحف المدينة النبوية مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لطباعة المصحف الشريف)، وفيه نقص في الكلمات والأحرف، وغيرها من التطبيقات المحرفة، التي وصل عددها إلى 11 تطبيقاً. وقد أفتى عضو هيئة كبار العلماء الشيخ د. عبد الله المطلق بعدم جواز قراءة العوام للمصاحف المحرفة، أو الدخول للمواقع الإلكترونية الناشرة لها؛ لئلا تشتبه الأمور عليهم، مع تحري المصادر الموثوقة وتجاهل هذه التحريفات. وأكد د. محمد النجيمي أن تناقل المحرفات من آيات وأحاديث نشر للباطل. وأكد د. خالد المصلح أنه لا يمكن لأعداء الله النيل من كتاب الله منذ قديم الأزل. وأصدر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بياناً للتحذير منه، وعدم نشره، والاعتماد على المصادر الصحيحة والموثوقة. وأصدرت الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم بياناً تحذيرياً من المجلس العلمي بالهيئة التابعة لرابطة العالم الإسلامي حول التحريفات الواقعة في التطبيقات الإلكترونية لنصوص القرآن الكريم، ودعت المؤسسات التقنية المتخصصة إلى مراجعة دقيقة للتطبيقات القرآنية من قِبل لجان متخصصة بالقرآن وعلومه، وذكرت المواقع الإلكترونية الموثوقة، التي تنصح بها الهيئة.
وفي الختام، مهما حاول أعداء الإسلام تحريف القرآن والنيل منه فلن يتمكنوا منه؛ لأن الله تكفل بحفظه. قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (8) سورة الصف.
التطبيقات ذات الجودة
ويشير الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري، أستاذ كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقرآن الكريم أستاذ علوم القراءات والتفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلى أن دور المؤسسات والمراكز المتخصصة في القرآن الكريم في مواجهة تحريفات التطبيقات الإلكترونية لنصوص القرآن الكريم يتمثل في قيام تلك المؤسسات بدورها الحضاري في بناء التطبيقات المناسبة للعصر، ومسابقة الزمن في استحداث التطبيقات ذات الجودة العالية؛ لتكون لها الريادة العالمية، ولتقطع الطريق على تلك التطبيقات المغرضة التي ربما وجدت الساحة خالية فبثت سمومها. وما أشبه الليلة بالبارحة، فإن المصاحف التجارية قبل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف كانت تملأ رفوف المساجد، وتغزو الأسواق بما فيها من أخطاء طباعية وتحريفات مقصودة وغير مقصودة، فلما أمر الملك فهد - رحمه الله - بإنشاء ذلكم المجمع والصرح الحضاري القرآني، وقام بدوره كما ينبغي، تلاشت تلك الطبعات المحرفة.