لم تكد أجساد شهداء الواجب تدفن، ويتم التعرف على المجرمين الذين قتلوهم غيلة، بعد حادثة المنفذ الحدودي هنا، حتى ضج العالم من جديد جراء حادثة باريس، ولست هنا بصدد رصد ردود الأفعال على الحادثتين، بل استوقفني من احتفل بحادثة باريس من المسلمين، ونظرائهم الذين شرعوا بنسج خيوط المؤامرة، والعربي عموما مولع بهذه النظرية، ومع أني لا أنفي المؤامرة مطلقا، إلا أن تعليق مشجب كل حدث يضر بالمسلمين على المؤامرة أمر غير عقلاني، فلا يعقل أن العالم كله يتربص بنا، ويسهر للتخطيط ضدنا، فهو ذات العالم الذي أتاح للمسلمين النهل من علومه، واستضاف المعدمين منهم، والمطلوبين، ومنحهم جنسياته، وأغدق عليهم بخدماته، بل هو ذات العالم الذي سمح للمسلمين ببناء مساجدهم، ومراكزهم الإسلامية، ولا يمكن أن ننكر جهود العالم الغربي في نجدة المنكوبين في كل مكان، بغض النظر عن جنس أو لون أو دين .
اذا كانت حادثة باريس مؤامرة، فهل كانت حادثة عرعر مؤامرة، وهل كانت حادثة سيدني، قبل شهر مؤامرة، فلعلنا نفيق، ونعترف بأن هناك فكرا شريرا يرتكب كل الموبقات، وينسب نفسه للإسلام، ولعلنا نضغط على أنفسنا أكثر، ونعترف بأن هناك شعبية لا يستهان بها لهؤلاء الأشرار، وهؤلاء يسيئون للإسلام أكثر مما يسئ له كل أعدائه، فهل الغرب هو الذي أمر تنظيم داعش وجبهة النصرة بتصوير المشاهد الفظيعة لقطع الرقاب، وقطع الأطراف، وسبي النساء، وبيعهن علنا في الأسواق ؟، وهل الغرب هو الذي حرض جماعة بوكو حرام على الخطف، والسبي، والقتل ؟، وهل كان الغرب وراء اعتناق بعض أبناء المسلمين للفكر المتطرف، واستعدادهم للقتال تحت أي راية، وفي أي مكان؟، ويمكننا الاستمرار بطرح التساؤلات المماثلة، وسيكون الجواب، بالتأكيد، واحدا !.
علينا أن نتوقع الأسوأ للمسلمين، في الغرب، وخارجه، فحادثة باريس كانت مفصلية، أو أريد لها أن تكون كذلك، اذ يبدو أن السيل قد بلغ الزبى، فقد كان العالم الغربي محتقنا منذ أحداث سبتمبر وما تبعها، ثم جاء قتل الرعايا الغربيين على يد داعش ليقدح شرارة كانت تنتظر قشا لتحرقه وتنتقم ، وقد كان منفذوا حادثة باريس هم ذلك القش الرخيص، الذي قدم الذريعة المكتملة الأركان، اذ جاءت هذه الحادثة في عاصمة النور الأوروبية، وضد مؤسسة إعلامية تمثل حرية التعبير، وهو الأمر الذي لا تساوم عليه الشعوب الغربية، وللعلم فقد كانت هذه الصحيفة توزع ستين ألف نسخة قبل الحادثة، واستطاعت، بعد الحادثة، أن تبيع خمسة ملايين نسخة بأكثر من ست عشرة لغة !!، فماذا لو أن منفذي هذه الجريمة استلهموا سيرة عمر ابن الخطاب، وساروا على هدي مقولته الشهيرة :»أميتوا الباطل بتجاهله»، ولكن هيهات، فقد سبق الرشاش العذل، وأؤكد، مرة أخرى، على أن الركون للمؤامرة ليس هو الحل الأمثل لمواجهة مصائبنا، والتي أساءت للإسلام أكثر مما أساء له خصومه، فالله المستعان.