كل تقرير تناولناه منذ دخلت الشورى أثيرت فيه نقطة عطالة المواطنين الشباب نتاج السنوات الثلاثين الأخيرة. وكل تقرير عن مؤسسة خدماتية تناولناه بالنقاش تساءلنا فيه عن قدرتها على تقديم الخدمات المناسبة لملايين المواطنين بالإضافة الى غير المواطنين. وكل تقرير احتوى على مطالب بزيادة المخصصات, وعلل قصور المؤسسة بنقص اليد العاملة المؤهلة لتحقيق الأهداف. بينما كل البنى التحتية تئن تحت ثقل الاستعمال وضعف وعي مستخدميها وسوء الصيانة.
وقد مررنا بعدة عقود و9 خطط خمسية, ونحن نحاول تنويع مصادر الدخل ولا نحقق إلا القليل. ومازلنا، ونحن على مشارف الخطة العاشرة, دولة ريعية ومجتمعا استهلاكيا نعتمد على دخل النفط وهو طاقة ناضبة وسلعة خاضعة لظروف السوق.
تآكلت الطبقة الوسطى وانصهرت في طبقة محتاجة أو معدمة.
أما أبناء الطبقة القادرة الواعية الذين حظوا بالتعليم المناسب- غالبا في الخارج سواء رضعوا طبيعيا أم حليب النيدو - وهم خيرة شبابنا ممن لم يتأثروا بفترة التراجع وقيم الطفرة, فهم اليوم يهاجرون بالآلاف إلى الدول المجاورة والبعيدة. وآلاف أيضا هاجروا إلى ساحات الإرهاب, أو إلى المخدرات, فأضحوا أكبر خطر على الوطن.
هل نستطيع بأي عقلانية أن نتجاهل أن عددنا على مشارف الخطة الخمسية العاشرة أضحى أكثر من 22 مليونا منهم 70% من الشباب تحت سن الثلاثين؛ أي أننا خلال الـ30 عاما الأخيرة أنجبنا أكثر من 15 مليونا.. والحمد لله.
لم نقصّر في الأعداد.. لكننا نقصّر في إعدادهم بما يحتاجونه ليكونوا أعضاءً في مجتمعٍ راقٍ بنوعيتهم، وليس فقط مجتمعاً مزدحماً بأعدادهم. وأغلبنا اليوم مقصر في إمدادهم كل ما يحتاجون من متطلبات الحياة الكريمة في عالم اليوم الذي يتطلب الكثير. وكلما زاد عددهم تعذّر أن نمنحهم كآباءٍ وأمهات ما يكفي من اهتمامنا الشخصي.
ثم توجعنا تسجيلات اليوتيوب وتغريدات تويتر بكثرة المطالبين بالعون وهُم يفصّلون كم يعيلون من المعاقين والمرضى!!
هل ينتهي دور أي صانع قرار بأن ينصح الأم بالرضاعة الطبيعية ويختزل الصحة الإنجابية الى ما يختص بالإخصاب وأدبياته؟
علينا أن نعدّ أولادنا بما هو أكثر من الرضاعة الطبيعية, فهم ليسوا قطيع مزايين؛ بل مواطنون مهمون يتطلبون رعاية وإعدادا حتى سن التخرج من الجامعات أي 22 عاما وليس عامين. سيحتاجون مستشفيات وحضانات ومدارس وجامعات ومدرسين ومدرسات ووظائف ومواصلات.
والنفط إن أسعفنا اليوم بما جمعنا من فائض أسعاره أمس فهو لن يسعفنا بفوائض إلى الأبد.
لا يلهينا التفاخر بالتكاثرعن الأهم من احتياجات من ننجب.
تلك هي مسؤوليتنا في صياغة وثيقة السياسة السكانية.
يا صانع القرار،وفقنا الله جميعا لجني ثمار القرار البعيد النظر والحكمة:
مسؤولية بناء مجتمع راسخ اقتصاديا, ومتمكن علميا, وآمن من تصاعد صراخ الشكوى والجوع وقلقلة الأمن مسؤولية ممتدة في المستقبل تتطلب أن يكون قرارا يقر ويقنن ترشيد الإنجاب ليس لضمان أعداد الأجساد, بل لكي نستطيع تفعيل أفضل إعداد وتدريب ومستوى مواطنة.. ونضمنه لمن ننجب.