بقلم - جولي ويتس شلاك:
تستثمر الشركات كمّاً هائلاً من الوقت والمال على بحوث السوق التي غالباً ما تكون مخيّبة للأمل، بحيث أنّ نيّة الشراء تكون مبالغة إلى حدّ كبير في الإجابات الواردة في الاستطلاعات، ما يظهر غياب ترابط فعليّ بينها وبين الحجم الحقيقي للمبيعات. وفي نقيض ذلك، ستحصل على إجابات أكثر دقّة بكثير إن سألت مجموعة متنوّعة من الناس «ما الذي سيحصل؟»، بدلاً من أن تسألهم «ماذا ستفعلون؟»، علماً بأنّ هذه هي الظاهرة الكامنة خلف الشعبيّة المتزايدة لأسواق التوقعات، المستعملة لترقّب النجاح المحتمل لفكرة، أو منتج، أو مرشّح سياسيّ.
وتعمل أسواق التوقعات كأسواق الأسهم، فيُعطى «المستثمرون» مصرفاً من الأموال المزيفة، أو نقاطاً يستثمرونها في إجابات عن أسئلة، فتكون هذه الأسئلة مزدوجة مثلاً، على غرار «هل سيستقطب هذا المنتج الفتيات بين سنّ الرابعة والسادسة؟» أو يكون فيها عدد من المتغيّرات، على غرار «أيّ من هذه المنتجات سيحقّق النجاح الأكبر لدى الفتيات بين سنّ الرابعة والسادسة؟».
ولا يجيب المشاركون إلا على الأسئلة التي يكون رأيهم فيها راسخاً، ومن شأنهم أن يستثمروا في الفشل المحتمل لإحدى الأفكار أو في نجاحها، كما بإمكانهم أن يستثمروا عدداً صغيراً أو كبيراً من النقاط، رهناً بثقتهم بتوقّعاتهم. وعندما يستثمرون، يشرحون سبب استثمارهم، ويستعرضون رأيهم عن السياق ونوعيّة الاستثمار الكامنين خلف الأرقام.
والملفت أنّ هذه المنهجيّة، التي تمّ تطويرها أساساً كبديل للاستطلاعات السياسيّة التقليديّة، أولدت بدورها مصداقيّة في الشركات الراغبة في الاطلاع على مستويات المعرفة لدى موظّفيها. وكانت النتائج مذهلة، وحقّق سوق توقّع الطلب على المنتجات لدى شركة «إنتل» نتائج أدقّ بنسبة 20 في المئة من التوقّعات الرسميّة. وتساءل بعض منّا في وكالة التعاون مع المستهلكين «كوميونيسبيس» حول ما إذا كان المستهلكون سيُظهرون مستويات من الالتزام والدقّة كتلك التي أظهرها الموظّفون في تعاملهم مع أسواق التوقعات.
وتشير البحوث الأكاديميّة وتلك الصادرة عن القطاع، بالإضافة إلى خبرتنا في أكثر من 50 سوقاً، إلى أنّ مستويات الالتزام والدقّة المذكورة سابقاً موجودة فعلاً. ففي خمس حالات أجرى فيها عملاؤنا دراسات موازية تقارن نتائج سوق التوقّعات بنتائج اختبارات أخرى -على غرار الاستطلاعات التقليديّة ذات العيّنات الأكبر حجماً بكثير- يبدو أنّ أسواق التوقعات تحقّق النتائج نفسها بالاستعانة بعدد أقل من المشاركين. وتوفّر كذلك قراءةً أدقّ بكثير لأفكار المستهلكين وأهوائهم، وتسمح لنا بأن نرى على الفور ما هي المفاهيم التي تولّد أقطاباً لأنّها تستقطب كمّاً كبيراً من الاستثمار الإيجابي والسلبي. وكذلك، بات بإمكاننا أن نرصد الأفكار التي تولّد القدر الأكبر من الحماسة، بالاستناد إلى عدد المستثمرين والنقاط التي يجتذبونها.
عند مقارنة توقّعات المستهلكين بالنتائج المأخوذة على أرض الواقع، تبدو النتائج واعدة. وفي إحدى الحالات مثلاً، كان السؤال المطروح في أسواق التوقعات حول ما إذا كانت النسخة الجديدة من منتجات إحدى الشركات ستسجل أداء أفضل من النسخة التي تمّ إطلاقها في السنة السابقة. وعندما قارن عميلنا النتائج بالمبيعات الفعلية، اكتشف أنّ تنبّؤات سوق توقّعات المستهلكين كانت صحيحة بالنسبة إلى ثلاثة منتجات من أصل خمسة، في حين أنّ أسواق توقّعات الموظّفين كانت صائبة في الحالات الخمس كلّها.
ومن بين منافع أسواق التوقّعات التي لا تحظى بتقدير، أنها قادرة على بثّ حماسة صادقة لدى العملاء حول الشركة وما تعرضه، علماً بأنّ الشركة ذات الرؤية الأوضح لا تكتفي باستكشاف منهجيات البحوث الجديدة، بل وتوظّف أيضاً أهواء عملائها وخبرتهم في تصميم واختبار المنتجات والخدمات التي ستطلب منهم شراءها في نهاية المطاف. وإن قمتَ بالمثل، ستستفيد شركتك من النموّ الذي يلهمه العملاء. وهذا توقّع يمكنك الاعتماد عليه.
(جولي ويتس شلاك هي كبيرة نائبي رئيس شئون الابتكار في وكالة «كوميونيسبيس»).