يعول كثيرون من المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي والإعلامي على معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخضيري تحقيق ما لم يتحقق من قبل، وتغيير ما لم يتغير في الفترات الوزارية السابقة، والخروج من حالة الركود الأدبي والإعلامي وتجاوز الشعور المهيمن على كثيرين بأننا من هول الإحساس باليأس لن نستطيع أن نغير أو نتغير؛ بما أثقلته علينا به السنون المتعاقبة والعقود الخالية من أثقال البلادة والتكرار والرضا بالمعتاد والموروث المألوف من الأجيال السابقة وانعدام وجود حوافز الدفع بالطاقات الكامنة إلى البروز أو استجلاب واستقطاب واستدعاء الكفاءات المتميزة القادرة على الإبداع والإضافة الفارقة.
ولعل من محاسن الحظ أن يمسك بدفته كفاءة عالية مؤهلة تأهيلاً متفردًا من أعلى مراكز العلم والبحث في العالم، ومن أكثرها جدية وتميزًا، وقد اكتسب معالي الوزير إضافة إلى ذلك كله خبرة طويلة معتقة في العمل القيادي، وفي التخطيط وإعادة الهيكلة الإدارية، ومارس المهنة الإعلامية والثقافية من خلال الكلمة المكتوبة والحضور الفكري الواعي في كل المراحل التي مرت بها ثقافتنا الحديثة في المملكة.
ومن هنا فإن الأمل كبير جدًا في أن يتحرك ما كان ساكنًا، وأن يستيقظ ما كان نائمًا، وأن تنطلق الحركة الثقافية من عقالها، وأن يضع الإعلام السعودي بصمته ويرسم هويته بكل الثقة والشجاعة والمهنية العالية في هذا الفضاء المتزاحم المتصارع المتضاد بالمادة الإعلامية المحملة بأثقال الرسائل والخطابات.
وعلى الرغم من أن بلادنا تمتد كقارة فارهة في الاتجاهات الأربعة بتنوع فريد في المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي ثراء زخم الموروث الشعبي واختلاف الجغرافيا والمناخ وكثافة السكان في كل منطقة وإقليم؛ إلا أن التغطية الإعلامية لزخم العطاء والإبداع في عدد من المناطق يظل ناقصًا.
فالصحف تصدر في المدن الكبرى إلا أن مناطق أخرى كالقصيم أو تبوك تحتاج إليها، وهما مدينتان تضمان مدنًا وقرى متعددة لا يجد سكانها فرصة للتعبير عن همومهم وقضاياهم ونشر إبداعات كتّابهم وأدبائهم إلا في صحف المدن الكبرى المعروفة.
ومنطقة القصيم الغنية بأدبائها وثرائها العلمي والمعرفي وتاريخها العريق وتنوع عطاءاتها المختلفة لم تكن غريبة على عالم الصحافة؛ فقد صدرت فيها صحيفة القصيم بتاريخ 1-6-1379هـ على يد مؤسسها عبد الله العلي الصانع ورأس تحريرها الأستاذ علي العبد الرحمن المسلم، ثم
عبد العزيز بن عبد الله التويجري، ثم صالح السليمان العمري، ولكنها توقفت عند العدد 213 الصادر بتاريخ 28-10-1383هـ استجابة لنظام المؤسسات الصحفية الذي ألغى صحافة الأفراد وألزم مؤسسيها بتكوين مجالس إدارات تتولى مسؤولية إدارة الجريدة والإشراف عليها.
لقد عادت صحف كثيرة إلى الصدور واستمرت وتكيفت مع التنظيم الجديد في عهد صحافة المؤسسات وتطورت في مادتها وإخراجها وقضاياها التي تعبر عنها؛ إلا أن «القصيم» ماتت بالسكتة القلبية إلى اليوم ولم تجد منقذًا ولا مسعفًا ينعشها ويؤسس لها انطلاقة جديدة تواكب ثراء المنطقة وغناها بالكفاءات المتنوعة واتساع رقعتها وعمق تاريخها ووفرة البيوتات التجارية الكبيرة فيها القادرة -إن أرادت- تأسيس ورعاية وتمويل مشروعات إعلامية كبرى تتجاوز حجم صحيفة يومية سيارة!
وإذا كان هذا شأن «القصيم» التي ماتت حتى شبعت موتًا؛ فما خبر الوليد الصحفي الذي أجهض في تبوك قبل أن يولد والمسمى بـ»الصباح» ولكنه لم ير إلى الآن بعد أنوار الصباح؟!
إن الحاجة ماسة لا إلى الصحف في المناطق فحسب؛ بل إلى انطلاقة إذاعات وقنوات محلية جهوية تخدم المناطق وتعبر عنها وتنقل ثراء وتنوع إبداعاتها وتصور طموحات أبنائها ورؤاهم وإسهامهم في نهضة مناطقهم في ظل الوحدة الوطنية المتينة لبلادنا حماها الله وزادها تماسكًا وعزًا ومنعةً.
لقد حان الوقت لانطلاقة إذاعات الأف إم الجهوية، ولمحطات التلفزيون في المناطق، ولصحيفتين جديدتين في القصيم وتبوك.