ما سبب غياب المرأة العربية عن التأليف، وهل كان المجتمع الذكوري منذ العصر الجاهلي إلى العثماني يمارس سلطته؟ هل كانت المرأة العربية منهية عن التعليم؟ إن العلوم العربية التي بين أيدينا (أمامنا) هي من حظ الذكور، وما برزت امرأة في شيء منها، قد يكون الشعر لها نصيب منه، وقد يكون الغناء حصرًا على الإماء الجواري، ولكن أين تأليفهن في علم من العلوم؟!
نحن نعلم أن الإسلام أنصف المرأة، ولكنها باتت مغيبة في القرون المفضّلة الأولى، قد نجد العذر لأم المؤمنين عائشة في عدم التأليف لتقدّم عصرها على العصر العباسي الذي كثر فيه التأليف، ولكن ماذا عن المرأة التي عاصرت التأليف ولم نجد كتابًا واحدًا لها؟!
أغلب الظن أن الخلفية الدينية التي قد أنصفتها من قبل، أقصتها في عصر التدوين والتأليف، إذ قد ضمن الإسلام لها حقوقها، ولكنه أورد أنها يجب أن تقرَّ في البيت.
لقد كانت حلق التعليم في المساجد حصرًا على الرجل، ولكن المرأة كان بمقدورها أن تتلمذ على الكتب ولو لم يكن كافيًا، فما سر هذا الإحجام عن التأليف من قِبلها؟!
لم نسمع امرأة ألفت في العقيدة، ولا النحو، ولا الأدب، ولا في بقية العلوم البحتة وغيرها، ويبدو أن هناك سرًا عجيبًا!
يخيّل إليّ أن المرأة في عصر التأليف كانت تعيش ازدواجية كما ازدواجية عصرها، فمن المعلوم أن العصر العباسي كان منشطرًا إلى شطرين، حيث الزهد والورع والإقبال على الآخرة، يقابله شطر من المجتمع مقبل على اللهو والاسترسال في الملذات كما تصوره لنا الكتب المعاصرة لذلك العصر، إذ بدأ من الخلفاء، وتشعب في قليل أو كثير في سائر (باقي) المجتمع، والغواني يستهويهن الطرب، وتغويهن كلمة الثناء، وتصاب بالغرور تماهيًا بجمالها وحسن قوامها، فهي إلى اللهو أقرب منه إلى الرجل، وهي محط زيادة فتيل الإعجاب من الرجل، وسوق النخاسة كان يعج بالإماء حسينات الصوت والقد والدّل.
إذ ذاك؛ وجدت المرأة العابدة سيما من الحرائر، وبالمقابل وجدت الأمة الجارية المغنية الرشيقة، والبارعة في دق الطبل والطنبور، وضرب العود. وبما أن المجتمع ذكوري إلى النخاع، فإنه كان يأنف من أن يقرأ لامرأة لو ألفت في علم من العلوم، ومن يدري؟ فلربما كانت قد ألفت حقًا، ولكن الذكور لم يحفلوا بنتاجها، فضاع ما ألفت من جملة ما ضاع من تأليف الرجل قليلاً فكيف بالمرأة. أما شعرها فقد حُفظ أغلبه لأغراض تخدم الرجل المؤلف.
إننا اليوم نجد للمرأة تأليفًا، ولا نملك إلا أن نتعجب من قوة الزمن التي لا تُقهر!