إنهم أناس يعيشون بين أظهرنا، ويتحدثون بلغتنا، ويتسمون بأسمائنا، وربما بعضهم أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد.
فربما تجده زميل عمل، أو قريب ملل، أو أخاً شقيقاً لا شفيقاً، أو جاراً لا يستحق أن يُجار...
فما إن يروا عليك نعمة حسية أو معنوية إلا وتتقطع قلوبهم، وينظرون إليك نظرة المغشي عليه من الموت!!
ينظرون إليك تدور أعينهم كيف يسقطوا هذه النعمة أو يُحدوا منها، أو على الأقل يقللوا من مقدارها في عيون الآخرين!! مساكين مساكين.
حسد امضّ قلوبهم وسعار
فتنابحوا فتناقلوا الأخبار
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.. توفي محسود، فأكثروا الترحُم عليه والدعاء له، فوصف الشاعر حسدهم على لسان الميت قائلاً:
هم يحسدوني على موتي فوا أسفى
حتى على الموت لم أسلم من الحسد!..
وهذا قريب مما ذكره شيخ الإسلام في حيل الناس بالغيبة والحسد معاً. إذ يقول: فإذا ذكروا ميتاً بخير: قال الحاسد: دعونا منه، الله يغفر لنا وله!!!!)
مساكين هؤلاء المعذبين، إنهم ضعفاء، إنهم محطمون نفسياً، تأكل قلوبهم الأحقاد، وتكتوي ضمائرهم بالأحساد، إذا سمع أحدهم أحداً يتحدث عن نعمة لأخيه أو قريبه، طار قلبه فزعاً كالذي يتخبطه الشيطان من المس!!
مساكين هؤلاء إذا بُشر أحدهم بنعمة على أخيه ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم! (اللهم اشف غيظ قلوبهم، وبرّد حر أفئدتهم بالماء والثلج والبرد،، وزدهم كمدًا إلى كمدهم) لكيلا تجتمع عليهم الذنوب، وليستريح الناس من شرهم وليستريحوا هم من شر أنفسهم...
مساكين هؤلاء يُمضّ قلوبهم الحسد، ويعذبون أنفسهم بأنفسهم، ، يتعذبون بالعذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يتقون..
قال شيخ الإسلام: ما خلا جسد من حسد، لكن الكريم يخفيه واللئيم يبديه)..
والعرب يقولون ( قل هلا لو بالقلب بلى)!! كان فيما مضى يخفى على المجتمع بعض حسدهم، لكن مع وسائل الاتصال الاجتماعية.. انكشف المستور، وانفضح الثور، وظهر المكنون، وكشرت الأفاعي عن أنيابها، و العقارب عن أوسادها.. إن هؤلاء ضررهم متعدٍّ وشرهم مستطير، فهم معول مشاكل في أسرهم،،، وإذا كان العلماء يقولون يجب على ولي الأمر أن يحجر على الرجل ( العائن ) في بيته، ويصرف له من بيت مال المسلمين،، فهؤلاء ليسوا منهم ببعيد..
مساكين هؤلاء إنهم يجاهدون ولكن في سبيل الشيطان... صدق العلماء إن الحاسد يقتل نفسه قبل المحسود!!
اللهم عافنا في ما ابتليتهم به، واهدنا لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم « إنّ مرض هؤلاء مرض متجذّر في سويداء القلب .. مرض هؤلاء يسميه العلماء مرضاً لا يرجى بُرئه ... إن ما يسلي القلب أنّ هذا الداء العضال قد وقع بين ابني أبينا آدم عليه السلام،، ووقع بين إخوة يوسف النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم.. إنني لأعرف أناسا يتحاشون أخبار قريبهم ببعض النعم لما يعرفونه عنه إنه يستشيط حسداً كالقريص!!!!
كل العداوات قد تُرجى مودتها
إلا عداوة من عاداك من حسد
إن شئت قتل الحاسدين تعمدا
من غير مديات عليك ولا قود
عظّم أمام عيونهم محسودهم
فتراهم صرع النفوس مع الجسد!!
وإذا كان الباري سبحانه وتعالى قد عرّى اليهود لأنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، ، فهؤلاء كذلك حفاة عراة في مجتمعاتهم، فهم يشابهونهم والعياذ بالله...
وإلا أفهم يقسمون رحمة ربك؟؟ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..}
ألا قُل لمن بات لي حاسدًا
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
لأنك لم ترض لي ما وهب!!
فخلاصة ما آل إليه أمرهم أنّ لديهم قدحاً في جناب العقيدة، وشرخاً في جناب التوحيد...
ثم إنك تجد هؤلاء المساكين لا يجدون ما يخففون به من لوعة صعق قلوبهم بخبر نعمة فلان أو علان إلا بأن يحطوا من قدر النعمة أو المنعم عليه ليبردوا حر قلوبهم.. لعل وعسى أن يشفي غليلهم أو يروي عليلهم، فهم لا يرقبون في محسود إلاً ولاذمه، فهم لا يتمنون نعمة المحسود فحسب، بل يتمنون زوالها، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) .. والسلام عليكم..
- الرياض